ومن زعم أنّه (١) عائد إلى ما يدرك بالحس فقد سها سهوا ظاهرا (٢). [ما عدا التّعقيد المعنوي] إذ لا يعرف بتلك العلوم ولا بالحسّ تمييز السّالم من التّعقيد المعنوي من غيره ، فعلم (٣) أنّ مرجع البلاغة بعضه مبيّن في العلوم المذكورة وبعضه مدرك بالحسّ ، وبقي الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد والاحتراز عن التّعقيد المعنوي (٤) ، فمسّت (٥) الحاجة إلى وضع علمين مفيدين
______________________________________________________
(١) أي الضمير.
(٢) وجه كون السّهو ظاهرا ، أنّ معنى العبارة حينئذ : إنّ ما يدرك بالحسّ هو ما عدا التّعقيد المعنوي ، أي التّعقيد المعنوي لا يدرك بالحس ، ويدرك ويعرف بالعلوم المذكورة مع أنّه لا يعرف بالعلوم المذكورة كما لا يدرك بالحسّ ، ويلزم منه أيضا أن يكون التّعقيد اللّفظي وضعف التّأليف ومخالفة القياس ممّا يدرك بالحسّ ، إذ ظاهره أنّ ما عدا التّعقيد المعنوي يدرك بالحسّ ، وليس الأمر كذلك ، إذ ما يدرك بالحسّ هو التّنافر فقط ، فالصّحيح أن يكون الضّمير عائدا إلى «ما» في قوله : «ما يبيّن» ، كي يكون الكلام أنّ ما يبيّن في العلوم المذكورة أو يدرك بالحسّ هو ما عدا التّعقيد المعنوي ، وهو لا يعرف بتلك العلوم ولا يدرك بالحسّ ، كما أشار إليه بقوله : «إذ لا يعرف بتلك العلوم ولا بالحسّ تمييز السّالم من التّعقيد المعنوي عن غيره».
(٣) أي فعلم أنّ القسم الثّاني من مرجع البلاغة وهو تمييز الكلام الفصيح عن غيره ، بعضه مبيّن في العلوم المذكورة مثل علم متن اللّغة والتّصريف والنّحو وبعضه مدرك بالحسّ.
(٤) أي بقي من المرجع المطلق الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد ، والاحتراز عن التّعقيد المعنوي ، ثمّ الاحتراز هو المرجع الأوّل ، وهو أمران :
الأوّل : الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد.
الثّاني : الاحتراز عن التّعقيد المعنوي.
(٥) أي فشدّت الحاجة إلى علم يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى المراد ، وعلم يحترز به عن التّعقيد المعنوي والأوّل هو علم المعاني ، والثّاني علم البيان.
فالمتحصّل من الجميع أنّ مرجع البلاغة أربعة :