لاعتبارات خطابيّة (١) كثير في الكلام ، منه قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١) (٢) بل (٣) تنزيل
______________________________________________________
المراد بالعالم هو غير المخاطب ، وقوله : «وتنزيل العالم بالشّيء» ليس تكرارا لما تقدّم ، بل للتّرقّي ، إذ ليس في المثال المتقدّم إلّا عدم الجري على مقتضى العلم أعني ترك الصّلاة ، وفي الآية شيء فوق عدم جري الكفّار على مقتضى علمهم ، وهو ترك كتاب الله ، واختيار كتاب السّحر على كتاب الله تعالى.
(١) أي مقدّمات ظنّيّة يكتفى فيها بمجرّد الخطاب.
(٢) فإنّ الآية ليست من تنزيل العالم بالفائدتين ، بل من تنزيل العالم مطلقا منزلة الجاهل ، وذلك أنّ الله تعالى نزّل علم أهل الكتاب برداءة الشّراء بمنزلة عدم العلم حيث إنّه تعالى وصفهم :
أوّلا : بالعلم على سبيل التّأكيد القسمي فقال : (وَلَقَدْ عَلِمُوا) أي والله لقد علموا.
وثانيا : بنفيه عنهم بقوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) فدفعا من لزوم التّنافي بين صدر الآية وذيلها ، نلتزم بتنزيل العالم منزلة الجاهل ، لأنّهم لم يعملوا بمقتضى علمهم.
وحاصل الكلام : إنّ الآية ليست من قبيل تنزيل العالم بأحد الفائدتين منزلة الجاهل لأنّهم لم يخاطبوا بالآية ، ولم يقصد إعلامهم بها حتّى يكون خبرا ملقى إليهم وهم يعلمون بمضمونه. ومعنى الآية : والله لقد علم اليهود أنّ من اشترى كتاب السّحر أي اختاره على كتاب الله ما له في الآخرة نصيب من الثّواب أصلا ، والله لبئس ما باعوا به أنفسهم ، أي حظوظها ولذّاتها لو كانوا يعلمون برداءة ذلك الشّراء لامتنعوا منه.
ومحلّ الشّاهد من الآية قوله تعالى : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) حيث نزّل علمهم بمنزلة الجهل ، فصاروا بمنزلة الجاهلين لعدم عملهم بمقتضى العلم.
(٣) ترقّ آخر ، وهو تنزيل وجود الشّيء أعمّ من أن يكون علما أو غيره منزلة العدم ، كما في الآية المباركة حيث نزّل وجود الرّمي منزلة عدمه ، وهو ليس بعلم.
والحاصل : إنّ الآية السّابقة نزّل فيها مطلق العلم أي أعمّ من كونه متعلّقا بفائدة الخبر أو غيره منزلة عدمه ، وأمّا في هذه الآية فقد نزّل وجود الشّيء مطلقا علما كان أو. غيره منزلة عدمه.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٠٢.