خير من نطق بالصّواب (١) وأفضل (٢) من أوتي الحكمة] هي علم الشّرائع (٣)
______________________________________________________
(١) الصّواب ضد الخطأ ، وقد شاع استعمالهما في الأعمال والأفعال ، واستعمال الحقّ والباطل في الأقوال ، لكنّ المراد به في المقام ، هو القول المطابق للواقع لمكان قوله : «نطق» ثمّ المصنّف إنّما ذكر هذا الوصف دون سائر أوصافه الحسنة لوجهين :
الأوّل : أن يحصل التّناسب بين الجملتين المعطوفتين ، فإنّه قد ذكر في جملة التّحميد نعمة البيان فالمناسب أن يذكر في الجملة المعطوفة النّطق. الثّاني : أنّ فيه تلميحا وإشارة إلى قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)(١). ولذلك اختار النّطق على التّكلّم لئلّا يحتاج إلى التّخصيص فإنّ التّكلّم شامل لله تعالى لصحّة إطلاق المتكلّم عليه ، فإذا صحّة خير من تكلّم بالصّواب محتاج إلى ارتكاب التّخصيص ، والالتزام بأنّ المراد غيره تعالى ، هذا مع أنّ التّكلّم ليس مؤميا إلى قوله تعالى.
(٢) إنّ عطف قوله : «وأفضل من ...» على «خير من نطق ...» من قبيل عطف الخاصّ على العامّ ، لأنّ «من نطق بالصّواب» يشمل من يقول : زيد قائم ، إذا كان مطابقا للواقع ، مع أنّه ليس من الحكمة المفسّرة بعلم الشّرائع.
وقد فسّرت الحكمة بأشياء : منها : ما ذكره الشّارح. ومنها : النّبوة. ومنها : العدل والقضاء. ومنها : العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه والعمل بمقتضاه وانقسمت إلى علميّة وعمليّة وهي إلى تزكيّة وتحليّة. ومنها : إصابة الحقّ بالعلم والعمل.
فالحكمة من الله معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام ، ومن الإنسان معرفته وفعل الخيرات ، ثمّ المتبادر من لفظ الحكمة عند الإطلاق هو العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه والعمل بمقتضاه ، وأما سائر المعاني فلا تستفاد إلّا بالقرينة الخارجيّة.
(٣) المراد بالعلم ـ بقرينة حمله على «هي» ـ الأصول والقواعد الشّرعيّة لا الإدراك أو الملكة ، لأنّه بهذين المعنيين لا يكون قابلا للحمل على القوانين الّتي هي المرادة بكلمة «هي» فإضافته إلى الشّرائع بيانيّة ، وهي جمع الشّريعة الّتي هي عبارة عن طريقة مخصوصة متكفّلة لسعادة البشر في الدّنيا والآخرة وواصلة إليهم من قبل الله تعالى بواسطة أنبيائه عليهمالسلام.
__________________
(١) سورة النّجم : ٣.