شاعر على أخوّة زيد وعمرو أو صداقتهما (١) ، أو نحو ذلك (٢) لأنّهما (٣) متماثلان ، لكونهما من أفراد الإنسان ، والجواب إنّ المراد بالتّماثل ههنا (٤) اشتراكهما في وصف له نوع اختصاص بهما على ما سيتّضح في باب التّشبيه (٥).
________________________________________
متماثلان لاشتراكهما في الإنسانيّة ، وقد بيّن في علم الحكمة أنّ المتماثلين هما اللّذان يشتركان في ماهيّة واحدة ، ففي المثال المذكور لا حاجة في صحّة العطف إلى وجود مناسبة بينهما ، إذ العقل يجرّدهما من العوارض المشخّصة الخارجيّة ، فيصير كلّ منهما إنسانا ، فيكون حضور أحدهما في المفكّرة عين حضور الآخر فيه ، وقد مرّ بطلان قولنا : زيد كاتب وعمرو شاعر ، عند عدم فرض مناسبة بين زيد وعمرو ، و «على» في قوله : «على أخوّة ...» متعلّق بقوله : «لم تتوقّف».
(١) أي صداقة زيد وعمرو.
(٢) أي كاشتراكهما في صنعة مثلا : كالنّجّاريّة ، والحدّاديّة ، والحياكة.
(٣) علّة لقوله : «لم تتوقّف».
(٤) أي في كلام المصنّف هو التّماثل عند البيانيّين ، وهو اشتراك الشّيئين في وصف مع اشتراكهما في الحقيقة لا مجرّد اشتراكهما في النّوع.
وحاصل الجواب : إنّ المراد بالتّماثل هنا ليس ما هو المصطلح عند المناطقة والفلاسفة من اتّحاد شيئين أو أشياء في الماهيّة النّوعيّة ، بل المراد به ما هو المصطلح عند البيانيّين من اشتراك أمرين أو أمور في أظهر الأوصاف مضافا إلى الاشتراك في الماهيّة ، فحينئذ إنّ هذا البحث مغالطة منشؤها توهّم أنّ المراد بالتّماثل هنا التّماثل بالمعنى المصطلح عليه عند الحكماء ، وهو الاتّحاد في الحقيقة.
وجوابها منع أنّ المراد بالتّماثل هنا التّماثل بالمعنى المذكور ، بل المراد هو المعنى المصطلح عليه عند البيانيّين ، وهو الاشتراك في وصف له مزيد اختصاص وارتباط بالشّيئين بحيث يوجب اجتماعهما في المفكّرة مع اشتراكهما في الحقيقة ، فإذا لا مجال لهذا الإشكال.
(٥) قوله : على ما سيتّضح في باب التّشبيه إشارة إلى ما يعتبر في تشبيه شيء بشيء آخر من اشتراك المشبّه والمشبّه به في وصف خاصّ زائد على الحقيقة ، فإذا قيل : زيد كعمرو ، ولم يكف أن يقال في الإنسانيّة ، بل لا بدّ من وصف زائد على ذلك ، كالكرم والشّجاعة.