بل المراد استبعاد أن يكون لهم الذّكرى ، بقرينة قوله تعالى : (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) ، أي كيف يذكرون ويتّعظون ويوفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم ، وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل (١) في وجوب الإذكار من كشف الدّخّان (٢) وهو ما ظهر على يد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الآيات والبيّنات من الكتاب المعجز وغيره ، فلم يذكروا وأعرضوا عنه
________________________________________
قوله : «أي كيف يذكرون» إشارة إلى أنّ أنّى في الآية بمعنى كيف ، وقد تقدّم أنّ أنّى إذا كانت بمعنى كيف ، يجب أن يكون بعدها فعل ، ولو بحسب المعنى ، كما أشار إليه الشّارح بقوله : «كيف يذكرون».
(١) أي أشدّ دخولا «في وجوب الإذكار» ، أي في ثبوت التّذكّر.
(٢) أي كشف الدّخان الّذي ظهر في الهواء بدعائه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ كشف بدعائه أيضا ، وهذا في عصره صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهذا أولى ممّا قيل : إنّ المراد بالدّخان وكشفه ما يقع يوم القيامة ، لقوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠).
والّذي ذهب إليه ابن مسعود أنّ المراد بالدّخان في الآية ما يرى في السّماء عند الجوع كهيئة الدّخان ، قال : لأنّه عليهالسلام لمّا دعا قريشا فكذّبوه واستعصوا عليه.
قال : اللهمّ اجعل عليهم بسبع كسبع يوسف ، فأخذتهم سنة حصدت كلّ شيء ، أكلوا فيها الجلود والميتة من الجوع وينظر أحدهم إلى السّماء ، فينظر كهيئة الدّخّان ، فقام أبو سفيان فقال : يا محمّد إنّك جئت تأمر بطاعة الله وصلة الرّحم ، وإنّ قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم ، فأنزل الله عزوجل (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠).