في (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(١) (١)] فقوله :] كلّا [(٢) ردع عن الانهماك في الدّنيا ، وتنبيه ، (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) إنذار وتخويف ، أي سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدّامكم من هول المحشر ، وفي تكريره (٣) تأكيد للرّدع والإنذار. [وفي ثمّ (٤) دلالة على أنّ الإنذار الثّاني أبلغ] من الأوّل تنزيلا (٥) لبعد المرتبة منزلة بعد الزّمان ، واستعمالا للفظ ، ثمّ في مجرّد التّدرّج في درج الارتقاء.
________________________________________
نكتة كان تطويلا ، وحيث إنّ التّكرار ظاهر في التّطويل قيّد بها بخلاف الإيضاح بعد الإبهام ، وذكر الخاصّ بعد العامّ ، فإنّ كلّا منهما لا يمكن أن يكون تطويلا للزوم اعتبار نكتة من النّكات فيهما ، ولهذا لم يقيّدهما بوجودهما.
(١) والشّاهد في الآية : كونها مشتملة على التّأكيد الحاصل بالتّكرار ، والنّكتة فيها هي تأكيد الإنذار والرّدع.
(٢) أي كلمة (كَلَّا) هنا مفيدة للرّدع والزّجر عن الانهماك ، أي التّوغّل والدّخول في تحصيل الدّنيا ، وللتّنبيه على الخطأ في الاشتغال بها عن الآخرة.
وبيان ذلك إنّ المخاطبين لمّا تكاثروا في الأموال وألهاهم ذلك عن عبادة الله حتّى زاروا المقابر ، أي ماتوا زجّرهم المولى الحقيقيّ عن الانهماك في تحصيل الأموال ، ونبّههم على أنّ اشتغالهم بتحصيلها ، وإعراضهم عن الآخرة خطأ منهم بقوله : (كَلَّا) وخّوفهم على ارتكاب ذلك الخطأ بقوله : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ).
(٣) أي قوله : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ).
(٤) أي في الإتيان بلفظ «ثمّ» ، والعطف به دلالة على أنّ الإنذار الثّاني أبلغ من الأوّل وأشدّ ، ويمكن أن يكون قول المصنّف «وفي ثمّ دلالة ...» جوابا عمّا يقال : كيف يصحّ العطف في الآية مع أنّ العطف يستدعي كون المراد بالثّاني غير الأوّل.
وحاصل الجواب : إنّ الجملتين المعطوفتين مغايرتان معنى من حيث الشّدّة والضّعف ، فإنّ مضمون الثّاني أبلغ وأقوى من مضمون الأوّل ، وهذا المقدار يكفي في صحّة العطف.
(٥) الظّاهر إنّ قوله : «تنزيلا لبعد المرتبة ...» علّة لقوله : «وفي ثمّ دلالة» أي إنّما كان فيها دلالة لأجل التّنزيل والاستعمال المذكورين ، لأنّها إذا نزّل بعد المرتبة منزلة بعد الزّمان ،
__________________
(١) سورة التّكاثر : ٣ و ٤.