كالعلم والحياة (١)] ووجه الشّبه (٢) بينهما كونهما جهتي إدراك كذا في المفتاح والإيضاح ، فالمراد بالعلم ههنا الملكة الّتي يقتدر بها على الإدراكات الجزئيّة ، لا نفس (٣) الإدراك ولا يخفى أنّها (٤) جهة وطريق إلى الإدراك كالحياة.
________________________________________
(١) أي كقولك : العلم كالحياة في أنّ كلّ واحد منهما جهة للإدراك.
(٢) تعرّض لبيان وجه الشّبه هنا دون ما تقدّم ، لكونه خفيّا ، والإشارة إلى أنّ المراد بالعلم الملكة ردّا على من التزم بأنّ المراد به الإدراك الخاصّ ، ووجه الشّبه مطلق الإدراك ، بتقريب أنّ الإدراك يشمل الظّنّ والاعتقاد والوهم واليقين ، والعلم هو اليقين فقطّ ، فلا يلزم اتّحاد المشبّه ووجه الشّبه ، فالعلم شبّه بالحياة
بمطلق الإدراك ، وكون هذا موجودا في الحياة من أجل أنّها مستلزمة للإحساس الّذي هو الإدراك بالحاسّة ولا شكّ أنّ هذا الإدراك أيضا نوع من الإدراك ، وقد أشار الشّارح إلى ردّ هذا القول بقوله : «وفساده واضح» ، أي الالتزام بأنّ وجه الشّبه هو مطلق الإدراك مردود بوجهين :
الأوّل : إنّ وجه الشّبه لا بدّ أن يكون قائما بالطّرفين ، والإدراك المطلق ليس قائما بالحياة ، لأنّها ليست عين الإدراك الخاصّ بل ملازم له ، فالإدراك المطلق قائم بملازمه لا بنفسه ، فإذا لا أساس لهذه المقالة.
الثّاني : أنّ تشبيه العلم بالحياة بجامع مطلق الإدراك ليس فيه فائدة يعتني بها ، إذ محصّله أنّ العلم كالحياة إدراك ، وهذا ليس فيه لطف وإظهار لجلالة العلم ، فلا بدّ أن يراد بالعلم الملكة ، ويجعل وجه الشّبه جهة الإدراك ، ففي التّشبيه عندئذ لطف ، وهو إظهار قدر الملكة وشرافتها في كونها سببا للإدراك مثل الحياة ، فهما طريقان للإدراك ، ويكون وجه الشّبه قائما بكلّ من الطّرفين ، وإن كان تحقّقه في الملكة بنحو السّببيّة ، وفي الحياة بنحو الشّرطيّة.
(٣) أي ليس المراد بالعلم نفس الإدراك لئلّا يلزم أن يكون الشّيء طريقا إلى نفسه ، وهو باطل.
(٤) أي ولا يخفى أنّ الملكة جهة ، وطريق إلى الإدراك ، كما أنّ الحياة طريق إلى الإدراك.
وحاصل الكلام أنّ الحياة شرط الإدراك والعلم سبب الإدراك والشّرط ، والسّبب يشتركان في كونهما طريقين إلى الإدراك ، فلا يخفى أنّ الحياة وملكة العلم يشتركان في كونهما جهتين إلى الإدراك.