من حيث هو كذلك ، ولا يخفى أنّ إدراك هذين المعنيين (١) ليس بشيء من الحواسّ الظّاهرة ، وليسا (٢) أيضا من العقليّات الصّرفة لكونهما (٣) من الجزئيّات المستندة إلى الحواسّ (٤) بل هما من الوجدانيّات المدركة بالقوى الباطنة ، كالشّبع (٥) والجوع والفرح
________________________________________
اللذّة والألم إدراك مخصوص من حيث إنّه أضيف إلى مدرك مخصوص ، هو الملائم في اللذّة والمنافر في الألم ، ثمّ إنّ كلا من تعريف اللّذّة والألم المذكورين ، يشمل عقليّ كلّ منهما ، وحسّيّة ، فعقليّهما ما يكون المدرك فيه بالكسر مجرّد العقل ، والمدرك بالفتح من المعاني الكلّيّة ، وذلك كاللذّة الّتي هي إدراك الإنسان شرف العلم ، والألم الّذي هو إدراك الإنسان نقصان الجهل وقبحه ، فشرف العلم كمال عند القوّة العاقلة ، ولا شكّ أنّها تدركه وتستلذّ به ، ونقصان الجهل آفة عند القوّة العاقلة ، ولا شكّ أنّها تدركه وتتألّم به وحسّيهما ، كإدراك النّفس نيل القوّة الذّائقة لمذوقها الحلوّ ، ونيل القوّة الباصرة لمبصرها الجميل أو الخبيث ، ونيل القوّة اللّامسة للملوسها اللّيّن أو الخشن ، ونيل القوّة السّامعة لمسموعها المطرب ، أو المنكر ، ونيل القوّة الشّاملة لمشمومها الطّيب ، أو المنفرد ، فهذه اللّذّات والآلام كلّها مستندة للحسّ من حيث إنّه سبب فيها.
(١) أي اللذّة والألم ، أي إنّ إدراكهما ليس بشيء من الحواسّ الظّاهرة ، لأنّ الإدراك معنى من المعاني ، فلا يدرك بالحسّ الظّاهر ، فلا يدخل في الحسّي.
(٢) أي هذان المعنيان ليسا من العقليّات الصّرفة الّتي لا تكون بواسطة شيء ، كالعلم والحياة فلا يدخلان في العقلي ، بل هما من الوجدانيّات المدركة بالقوى الباطنة كالشّبع والجوع والفرح والغمّ ...
(٣) بيان لعدم كونهما من العقليّات ، لأنّ العقليّات الّتي تدرك بالعقل إنّما هي المعاني الكلّيّة لا المعاني الجزئيّة.
(٤) أي الحواسّ الباطنة لأنّها هي القوى الّتي يدرك بها المعاني الجزئيّة ، مثل القوّة الغضبيّة والقوّة الشّهويّة.
(٥) أي كما أنّ الشّبع وما بعده من الوجدانيّات مدركة بسبب القوى الباطنة كذلك اللذّة والألم.