أن يقال لمن قال : رأيت أسدا ، وأراد به (١) زيدا أنّه جعله أسدا (٢) ، كما لا يقال لمن سمّى (٣) ولده أسدا ، أنّه جعله أسدا ، إذ لا يقال جعله أميرا إلّا وقد أثبت فيه صفة الإمارة ، وإذا كان (٤) ـ نقل اسم المشبّه به إلى المشبّه تبعا لنقل معناه إليه ، بمعنى أنّه أثبت له معنى الأسد الحقيقي ادّعاء ، ثمّ أطلق عليه اسم الأسد كان الأسد مستعملا فيما وضع له.
________________________________________________________
والثّالث ما أشار إليه بقوله : «ولما صحّ أن يقال لمن قال : رأيت أسدا ، وأراد به زيدا أنّه جعله أسدا» أي صّيره حيوانا مفترسا ، والتّالي باطل ، لأنّ من قال : رأيت أسدا يرمي ، وأراد بالأسد زيدا على سبيل الاستعارة ، يقال فيه : إنّه جعل زيدا أسدا قطعا ، وما ذاك إلّا باعتبار دخول المشبّه في جنس المشبّه به ، فثبت المدّعى ، وهو أنّ الاستعارة لم تطلق إلّا بعد إدخال المشبّه في جنس المشبّه به ، فكانت مجازا عقليّا فالمتحصل أنّه لو لم تكن الاستعارة مطلقة على المشبّه بعد الادّعاء المذكور للزم ما ذكر من الأمور ، والتّالي باطل فالمقدّم مثله.
(١) أي أراد بالأسد زيدا.
(٢) أي إنّما كان لا يصحّ أن يقال إنّه جعل زيدا أسدا ، لأنّ (جعل) إذا كان بمعنى صيّر كما هنا تعدّى إلى مفعولين ، ويفيد إثبات صفة لشيء ، فيكون مدلول قولك : فلان جعل زيدا أسدا ، أي أنّه أثبت الأسديّة له ، ولا شكّ أنّ مجرّد نقل لفظ الأسد لزيد وإطلاقه عليه من غير ادّعاء دخوله في جنسه ليس فيه إثبات أسديّة له.
(٣) أي من سمّى ولده أسدا لم يثبت فيه الأسديّة بمجرّد إطلاق الأسد عليه.
(٤) هذا مرتبط بما أنتجه الدّليل السّابق ، وحاصله أنّه رتّب على انتفاء الادّعاء المذكور في الاستعارة ثلاثة لوازم وكلّ منها باطل ، كما عرفت ، فيكون ملزومها وهو انتفاء الادّعاء المذكور في الاستعارة باطلا ، فيثبت نقيضه وهو اعتبار الادّعاء المذكور في الاستعارة ، وإذا كان الادّعاء المذكور معتبرا فيها فيكون اسم المشبّه به إنّما نقل للمشبّه تبعا لنقل معناه إليه ، بمعنى أنّ الرّجل الشّجاع جعل فرد من أفراد الحيوان المفترس ، وكان ذلك المعنى الكلّي ، أي الحيوان المفترس متحقّقا في الرّجل الشّجاع فحينئذ يكون استعمال لفظ الأسد في الرّجل الشّجاع استعمالا فيما وضع له.