لا يقال (١) : القمر في البيت ليس باستعارة ، لأنّ المشبّه مذكور ، وهو الضّمير في غلالته وأزراره.
لأنّا نقول لا نسلّم (٢) أنّ الذّكر على هذا الوجه ينافى الاستعارة المذكورة كما في قولنا : سيف زيد في يد أسد (٣) ، فإنّ تعريف الاستعارة صادق على ذلك. [وردّ] هذا الدّليل (٤) [بأنّ الادّعاء] أي ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به [لا يقتضي كونها] أي الاستعارة [مستعملة فيما وضعت له] للعلم الضّروري بأنّ أسدا في
________________________________________________________
نهى الشّاعر عن ذلك التعجّب ، وبيّن سبب النّهي ، وهو أنّ ذلك الغلام لم يبق في الإنسانيّة بل دخل في جنس القمر ، والقمر لا يتعجّب من بلى ما يباشر ضوءه لأنّ هذا من خواصّه ، ومتى ظهر السّبب بطل العجب كما في شرح المدرس رحمهالله.
(١) أي حاصل الإشكال أنّ القمر هنا لا يصحّ أن يكون استعارة لذكر طرفي التّشبيه في التّركيب المذكور في البيت ، لأنّ ضمير الغيبة فيه عائد إلى الشّخص الّذي أطلق عليه القمر.
(٢) أي وحاصل الجواب أنّ ذكر المشبّه على الوجه المذكور في البيت لا ينافي الاستعارة ، لأنّ الذّكر الّذي ينافيها إنّما هو ذكره على وجه ينبئ عن التّشبيه بأن يكون المشبّه به خبرا عن المشبّه ، أو حالا ، أو صفة ، نحو : زيد أسد ، ومررت بزيد أسدا ، وجاءني رجل أسد ، فالجمع في هذه الأمثلة ينبئ عن التّشبيه ، فتقدّر أداة التّشبيه ، وأمّا إذا ذكر المشبّه لا على وجه ينبئ عن التّشبيه كما في البيت فهو استعارة.
(٣) أي هذا مثال لعدم منافاة ذكر المشبّه للاستعارة ، فقد شبّه زيد بالأسد ، وادّعى أنّه فرد من أفراده ، واستعير اسم المشبّه به للمشبّه على طريق الاستعارة التّصريحيّة ، فقد جمع بين المشبّه وهو زيد ، والمشبّه به وهو الأسد ، على وجه لا ينبئ عن التّشبيه ، لأنّ هذا التّركيب ونحوه لا يتأتّى فيه تقدير الأداة إلّا بزيادة في التّركيب بحيث يتحوّل الكلام عن أصله بأن يقال : رأيت في يد رجل كالأسد سيفا.
(٤) أي قول المصنّف : «لأنّها لمّا لم تطلق على المشبّه إلّا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به كان استعمالها فيما وضعت له».
وحاصل الرّدّ : منع الصّغرى القائلة بأنّ الاستعارة لفظ مستعمل فيما وضع له بعد الادّعاء المذكور ، أي لا نسلّم ذلك ، وهذا الادّعاء لا يخرج اللّفظ عن كونه مستعملا في غير ما وضع له.