يظلّل إنسان حسن الوجه إنسانا آخر [والنّهي عنه] ، أي ولهذا صحّ النّهي عن التّعجّب [في قوله (١) : لا تعجبوا من بلى غلالته (٢)] هي (٣) شعار يلبس تحت الثّوب وتحت الدّرع أيضا [قد زرّ (٤) أزراره على القمر] تقول (٥) : زرّرت القميص عليه ، أزرّه إذا أشددت أزاره عليه ، فلو لا أن (٦) جعله قمرا حقّيقيّا لما كان للنّهى عن التّعجّب معنى ، لأنّ الكتّان إنّما يسرع إليه البلى بسبب ملابسة القمر الحقيقي لا بملابسة إنسان كالقمر في الحسن.
________________________________________________________
لما يحصل التّعجّب إذ لا تعجّب في أن يظلّل إنسان حسن الوجه إنسانا آخر لعدم الغرابة ، والغرابة في تظليل الشّمس مع كونها نورا لا ظلّ له أصلا ، فإذا جعل ذلك الغلام شمسا حقيقة على سبيل الادّعاء ، يستدعي غرابة ، فالتّعجب صحيح ، لأنّ الشّمس من شأنها رفع الظّلّ وإذهابه لا إحداثه ، كما هنا فهو أمر على خلاف العادة.
(١) أي قول الشّريف أبي الحسن بن طباطبا العلوي في غلام لابس الكتّان.
(٢) البلى بكسر الباء مقصورا من بلى الثّوب يبلى إذا فسد ، أي لا تعجبوا من تسارع بلى وفساد غلالته ، ففي الكلام حذف مضاف أعني تسارع.
(٣) ـ أي الغلالة شعار ، أي ثوب صغير ضيّق الكمّين كالقميص يلاقى البدن ، يلبس تحت الثّوب الواسع ، ويلبس أيضا تحت الدّرع ، سمّي شعارا لأنّه يلي شعر البدن ويلاقيه.
(٤) أي بالبناء للمفعول ، و «أزراره» نائب الفاعل ، علّة للنّهي عن التّعجّب ، والمعنى لا تعجبوا من بلى غلالته ، لأنّه قد زرّ أزراره على القمر ، أي شدّ أزراره على القمر ، والضّمير في أزراره راجع إلى المحبوب ، أو إلى الغلالة ، والتّذكير باعتبار أنّه قميص أو شعار شبّه المحبوب بالقمر ، واستعار اسم المشبّه به للمشبّه استعارة تصريحيّة والبلى ترشيح.
(٥) أفاد بهذا أنّ تعدية «زرّ» إلى الأزرار على احتمال كونه مبنيّا للفاعل ، فيه ضرب من التّسامح ، لأنّه إنّما يتعدّى للقميص ، ويتضمّن الدّلالة على الأزرار ، والشّاعر قد عدّاه إليها.
(٦) أي فلو لا أنّ الشّاعر جعل الممدوح قمرا حقيقيّا لما كان للنّهي عن التعجّب معنى ، لأنّ الكتّان إنّما يسرع إليه البلى عادة كما ثبت ذلك بالتّجربة ، وإخبار أهل الخبرة بسبب ملابسة القمر الحقيقي لا بسبب ملابسة إنسان كالقمر في الحسن والبهاء.
والحاصل أنّه لما خشي أن يتوهّم أنّ صاحب الغلالة إنسان عادي تسارع البلى لغلالته فيتعجّب من ذلك لأنّ العادة أنّ غلالة الإنسان العادّي لا يتسارع البلى إليها قبل الأمد المعتاد ،