إذ كلّ ما يتأتّى (١) فيه الاستعارة يتأتّى فيه التّشبيه من غير عكس ، لجواز أن يكون وجه الشّبه غير جليّ ، فتصير الاستعارة إلغازا كما في المثالين المذكورين (٢).
فإن قيل : قد سبق أنّ حسن الاستعارة برعاية جهات حسن التّشبيه ، ومن جملتها أن يكون وجه الشّبه بعيدا غير مبتذل ، فاشتراط جلائه في الاستعارة ينافي ذلك (٣).
قلنا : الجلاء والخفاء ممّا يقبل الشّدّة والضّعف ، فيجب أن يكون (٤) من الجلاء بحيث لا يصير إلغازا ، ومن الغرابة بحيث لا يصير مبتذلا.
________________________________________________________
(١) أي إذ كلّ محلّ تتأتّى فيه الاستعارة ، أي الحسناء يتأتّى فيه التّشبيه ، وذلك حيث لا خفاء في وجه الشّبه ، أي هذه النّسبة بينهما باعتبار الاستعارة الحسنة والتّشبيه مطلقا ، أمّا النّسبة بينها وبين التّشبيه الحسن فالعموم والخصوص من وجه ، لأنّها تنفرد عنه فيما يأتي في قوله : «ويتّصل به أنّه إذا قوي الشّبه بين الطّرفين ...».
(٢) أي في المتن ، وهما رأيت أسدا مريدا به إنسانا أبخر ، ورأيت إبلا ... ، فتمتنع فيها الاستعارة الحسناء ، ويجب أن يؤتى بالتّشبيه في صورة إلحاق النّاس بالابل ، كما في الحديث المذكور ، ويؤتى بالتّشبيه ـ في صورة إلحاق الرّجل بالسّبع في البخر ، ويفرق بأنّ التّشبيه يتصوّر فيه إجمال لما يتعلّق الغرض به في بعض التّراكيب ، والمجاز ليس كذلك وإن كانا مستويين في الامتناع عند الخفاء ، إذا لم يذكر الوجه في التّشبيه ، وذلك عند قصد خصوص الوجه في ذلك التّشبيه ، وإذا صحّ التّشبيه فيما ذكر من المثالين دون الاستعارة كان أعم محلا.
(٣) أي كون وجه الشّبه بعيدا ، لأنّ من لوازم كون وجه الشّبه بعيدا غير مبتذل أن يكون غير جليّ ، فكأنّهم اشترطوا في حسنها كون وجه الشّبه جليّا وكونه غير جليّ وهذا تناف.
(٤) أي أن يكون وجه الشّبه ملتبسا بحالة من الجلاء ، هي أن لا يصير إلغازا ، وأن يكون ملتبسا بحالة من الغرابة ، هي أنّ لا يصير مبتذلا ، فالمطلوب فيه أن يكون متوسّطا بين المبتذل والخفيّ.