ما ذكره في تعريف الكناية ، ولأنّ (١) الكناية ـ كثيرا ما تخلو عن إرادة المعنى الحقيقي للقطع بصحّة قولنا : فلان طويل النّجاد ، وجبان ـ الكلب ، ومهزول الفصيل ، وإن لم يكن له نجاد ولا كلب ولا فصيل (٢). ومثل هذا (٣) في الكلام أكثر من أن يحصى ، وههنا بحث (٤) لا بد من التّنبّه له
________________________________________________________
(١) أي قوله : «لأنّ الكناية ...» علّة لحذف المضاف ، وهو الجواز أيضا ، أي لم يشترط في تعريفهما إلّا جواز الإرادة لا وقوعها ، لأنّ الكناية كثيرا ما تخلو عن إرادة المعنى الحقيقي.
(٢) أي صحّت الكناية بنحو هذه الألفاظ مع انتفاء أصل معناها ، فإنّ طويل النّجاد كناية عن طول القامة مع عدم النّجاد ، أي حمائل السّيف وجبان الكلب كناية عن الكرم ، لأنّ جبن الكلب ، أي عدم جرأته على من يمرّ به يستلزم كثرة الواردين ، وكثرة الواردين عليه تستلزم كرم صاحبه مع عدم كلب أصلا ، ومهزول الفصيل كناية عن الكرم أيضا ، لأنّ هزال الفصيل يستلزم عدم وجود لبن من أمّه ، وهو يستلزم الاعتناء بالضّيفان لأخذ اللّبن من أمّه وسقيه لهم ، وكثرة الضّيفان تستلزم الكرم ، فمهزول الفصيل كناية عن الكرم ، وإن لم يكن فصيل أصلا فضلا عن كونه ـ مهزولا.
(٣) أي مثل القول المتقدّم من عدم إرادة المعنى الحقيقي لعدم وجوده كثير في الكلام.
(٤) أي هذا جواب ممّا يقال : إنّ التّعريف غير جامع ، لأنّه لا يشمل الكناية الّتي تمتنع فيها إرادة المعنى الحقيقي.
وحاصل الجواب اعتبار قيد الحقيقة في التّعريف ، فقولهم في تعريف الكناية : لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادته معه ، أي من حيث إنّ اللّفظ كناية ، وأمّا من حيث خصوص المادّة ، فقد يمتنع إرادة المعنى الحقيقي لاستحالته.
وبعبارة أخرى : إنّ الكناية من حيث إنّها كناية ، أي لفظ أريد به لازم معناه بلا قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي ، لأنّنا من جواز إرادة المعنى الحقيقي.
نعم قد تمتنع تلك الإرادة في الكناية من حيث خصوص المادّة لاستحالة المعنى ، فجواز الإرادة من حيث إنّها كناية ، ومنعها من حيث خصوص المادّة بتعريف الكناية صادق على هذه الصّورة أيضا.