حبّها [فلجّ (١) بي الهوى] لزمني (٢) [أصاخت (٣) إلى الواشي] أي استعملت إلى النّمام الّذي يشي حديثا ويزيّنه ، وصدّقته فيما افترى عليّ [فلجّ بها الهجر (٤)] زاوج بين نهي النّاهي وإصاختها إلى الواشي الواقعين في الشّرط والجزاء في أن ترتّب عليهما لجاج شيء.
وقد يتوهّم من ظاهر العبارة أنّ المزاوجة هي أن تجمع بين معنيين في الشّرط ومعنيين في الجزاء ، كما جمع في الشّرط بين نهي النّاهي ولجاج الهوى ، وفي الجزاء بين إصاختها إلى الواشي ولجاج الهجر.
وهو فاسد إذ لا قائل بالمزاوجة في مثل قولنا : إذا جاءني زيد فسلّم عليّ أجلسته وإنعمت عليه ، وما ذكرنا المأخوذ من كلام السّلف.
________________________________________________________
(١) أي الفاء للعطف لا للجزء ، فيكون «لجّ» عطفا على «نهى» ، وجواب الشّرط هو قوله : «أصاخت إلى الواشي» أي استمعت المحبوبة على وجه الإصغاء إلى النّمّام ، والمراد باستماعها لحديث الواشي قبولها له من باب إطلاق اسم السّبب على المسبّب.
(٢) أي صار الهوي لازما لي ، ومن صفاتي ، وأصل اللّجاج كثرة الكلام والخصومة ، والتزامها وإدامتها معبّر به عن مطلق اللزّوم الصّادق بلزوم الهوى مجازا مرسلا من التّعبير باسم المقيّد عن المطلق.
(٣) قيل في قوله :
«أصاخت» الصّواب رواية أصاخ بالتّذكير ، لأنّ ما قبله كان الثّريّا علّقت بجبينه وفي نحره الشّعرى وفي خدّه البدر.
(٤) أي الشّاهد في أنّ الشّاعر «زاوج بين نهي النّاهي» الواقع في موضع الشّرط وبين إصاختها إلى الواشي الواقعة في موضع الجزاء ، وأجمع بين ذي المعنيين «الواقعين في الشّرط والجزاء في أن ترتّب عليهما لجاج شيء» أي لجاج الهوى في نهي النّاهي ولجاج الهجر في الإصاخة.
ولا يخفى عليك أنّه قد علم ممّا أوضحناه في بيان محلّ الاستشهاد أنّ قوله : «فلجّ بي الهوى» عطف على قوله : «نهي النّاهي» ، وجواب الشّرط «أصاخت» ، وقوله : «فلجّ بها الهجر» عطف على الجواب ، فليست المزاوجة بين معنيين في الشّرط ومعنيين في الجزاء ، كما يتوهّم «إذ لا قائل بالمزاوجة في مثل قولنا : إذا جاءني زيد فسلّم عليّ ...» فتدبّر.