قريب (١) وبعيد ، ويراد البعيد] اعتمادا على قرينة خفيّة (٢).
[وهي ضربان] الأولى : [مجرّدة ، وهي] التّوريّة [الّتي لا تجامع شيئا ممّا يلائم] المعنى [القريب نحو : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(١)] فإنّه أراد ب (اسْتَوى) معناه البعيد وهو استولى ، ولم يقرن به شيء ممّا يلائم المعنى القريب الّذي هو الاستقرار (٣).
والثّانية : [مرشّحة] وهي الّتي تجامع شيئا ممّا يلائم المعنى القريب ، [نحو : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(٢) أراد بالأيدي معناها البعيد وهو القدرة (٤) ، وقد قرن بها ما
________________________________________________________
(١) أي قريب على الفهم لكثرة استعمال اللّفظ فيه ، «وبعيد» عن الفهم لقلّة استعمال اللّفظ فيه ، فكان المعنى القريب ساتر للبعيد ، والبعيد مستور تحته ، وبه صارت التّورية من المحسّنات المعنويّة ، فإنّ إرادة المعنى المقصود تحت السّتر كالصّورة الحسنة ، وعليه فلو كان المعنيان متساويين في الفهم لم يكن تورية بل إجمالا.
(٢) وإنّما اشترط خفاء القرينة لأجل أن يذهب الوهم قبل التّأمّل إلى إرادة ـ المعنى القريب ، فلو كانت القرينة واضحة لم يكن اللّفظ تورية لعدم ستر المعنى القريب للبعيد ، ولكن لا يشترط أن يكون خفاء القرينة بالنّسبة إلى المخاطب ، بل يكفي ولو باعتبار السّامعين ، فلا يرد أنّ القرينة في الآية واضحة للنّبي وآله عليهمالسلام ، وأمّا إذا لم تكن هناك قرينة أصلا فلم يفهم حينئذ إلّا القريب ، فيخرج اللّفظ عن التّورية.
(٣) والقرينة الخفيّة على إرادة المعنى البعيد ، وهو الاستيلاء هي استحالة الاستقرار حسّا عليه تعالى ، والاستحالة متوقّفة على أدلّة نفي الجسميّة عنه تعالى ، والأدلّة على ذلك ليست ما يفهمه كلّ واحد بلا تأمّل.
(٤) أي القدرة والقوّة «وقد قرن بها ما يلائم المعنى القريب» ، أعني الجارحة المخصوصة «وهو قوله : (بَنَيْناها)» ، وجه الملائمة أنّ البناء بالمعنى المتعارف يحصل عادة بالجارحة المخصوصة أعني اليد.
__________________
(١) سورة طه : ٥.
(٢) سورة الذّاريات : ٤٧.