وفي هذا إشارة إلى الرّدّ على من زعم أنّ المبالغة مقبولة مطلقا ، وعلى من زعم أنّها مردودة مطلقا. ثمّ إنه فسّر مطلق المبالغة (١) وبيّن أقسامها والمقبول منها والمردود ، فقال : [والمبالغة] مطلقا (٢) [أن يدّعى (٣) لوصف
________________________________________________________
أحسن الشّعر أكذبه.
ومنهم :
من فصّل فجعل بعضا مقبولا وبعضا غير مقبول ، وهذا هو مختار المصنّف ، فلذا قيّدها بكونها مقبولة.
وهذا التّقييد إشارة إلى ردّ القولين وهما القول بأنّها مقبولة مطلقا والقول بأنّها غير مقبولة كذلك.
وتوضيح هذا التّفصيل يتوقّف على مقدّمة :
وهي بيان أقسام المبالغة وهي على أقسام فيقال : إنّ مطلق المبالغة بمعنى بلوغ وصف شيء على حد من طرف الإفراط ومرتبته الصّعود ، أو في طرف التّفريط والنّزول على حدّ مستحيل عقلا وعادة ، كما في الغلوّ ، أو عادة لا عقلا كما في الإغراق ، أو مستبعدا بأن يكون ممكنا وعادة لكنّه مستبعد كما في التّبليغ ، وإنّما انقسمت المبالغة إلى الأقسام الثّلاثة ، لأن المدّعى وهو بلوغ الوصف إلى النهاية شدّة وضعفا إن كان ممكنا عقلا لا عادة فهو إغراق ، وهما مقبولان وإلّا ، أي وإن لم يكن المدّعى ممكنا عقلا ، ولازم ذلك عدم إمكانه عادة فهو يسمّى بالغلوّ ، وهو غير مقبول ، وستأتي الإشارة إلى أمثلة تلك الأقسام فانتظر.
إذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم أنّ مطلق المبالغة على أقسام ثلاثة ، وبعض هذه الأقسام مقبول ، وبعضها مردود ، والبديع المعنوي هو المبالغة المقبولة لا مردودة ولذا قيّدها بكونها مقبولة.
(١) أي لذا أتى بالاسم الظّاهر فقال والمبالغة ، ولم يأت بالضّمير ، أي ولم يقل وهي لئلّا يتوهّم عوده على المقبولة.
(٢) أي سواء كانت مقبولة أو مردودة.
(٣) ضمّن «يدّعى» معنى يثبت فعدّاه باللّام ، أي يثبت ، لوصفه بالدّعوى له لا بالتّحقيق.