فإنّ قتل الأعداء في العادة لدفع مضرّتهم] وصفوّ (١) المملكة عن منازعتهم [لا لما ذكره (٢)] من أنّ طبيعة الكرم قد غلبت عليه ، ومحبّة صدق رجاء الرّاجين بعثته على قتل أعدائه ، لما علم من أنّه إذا توجّه إلى الحرب صارت الذّئاب ترجو اتّساع الرّزق عليها بلحوم من يقتل من الأعادي ، وهذا مع أنّه وصف بكمال الجود وصف بكمال الشّجاعة ، حتّى ظهر ذلك للحيوانات العجم. [والثّانية] أي الصّفة الغير الثّابتة الّتي أريد إثباتها [إما ممكنة (٣) ، كقوله : يا واشيا (٤) حسنت فينا إساءته (٥) * نجى حذارك] أي حذاري إيّاك.
________________________________________________________
العادة. فالعلّة هنا في الصّفة الّتي هي قتل الأعادي وهي تحقّق ما ترجوه الذّئاب غير مطابق للواقع.
(١) أي خلوّ المملكة عن منازعتهم.
(٢) وهو أنّ طبيعة الكرم قد غلبت عليه ، فصارت محبّته لصدق رجاء الرّاجين لكرمه ، هو الباعث له على قتل الأعداء ، ومن جملتهم الذّئاب ، لأنّه عوّدها إطعامها لحوم الأعداء ، فكان من المعلوم أنّه إذا توجّه إلى الحرب صارت الذّئاب راجية له حينئذ ، ليوسّع عليهم الرّزق بلحوم القتلى من الأعداء.
وكيف كان ففي البيت وصف للممدوح بكمال وصف الجود فيه ، ووصفه بكمال الشّجاعة حتّى ظهرت للحيوانات العجم.
فقد تقدم القسمان من الأربعة ، أحدهما : ما يكون في الصّفة الثّابتة بلا ظهور علّة أخرى ، والآخر : ما يكون فيها مع الظّهور ، ثمّ أشار إلى تحقيق القسمين الباقيين فقال : «والثّانيّة».
(٣) في نفسها مع الجزم بانتفائها لكنّها ممكنة الحصول في ذاتها ، فالثّانيّة وهي غير ثابتة الّتي أريد إثباتها قسمان أيضا : إما ممكنة أو غير ممكنة. ممكنة كقوله : أي قول الشّاعر وهو مسلم بن الوليد من شعراء الدّولة العباسيّة :
(٤) الواشي النّمّام السّاعي بالكلام بين النّاس على وجه الإفساد.
(٥) هذه الجملة صفة «واشيا» والمراد بإساءة الواشي إفساده وحسن إساءة الواشي هو الصّفة لغير الثّابتة الّتي أريد إثباتها ، فعلّله بقوله : «نجى حذارك» أي حذاري إيّاك ، أي حسن إساءتك فينا ، لأجل أنّ إساءتك أوجبت حذاري منك ، فنجى حذارك إنسانيّ ، أي إنسان عيني ، ويقال له بالفارسيّة : مردمك ديده وچشم.