فإن قيل (١) : كان عليه أن يقول : يصحّ الوزن والمعنى عند الوقوف على كلّ منهما ، لأنّ التّشريع هو أن يبني الشّاعر أبيات القصيدة ذات قافيتين على بحرين أو ضربين من بحر واحد فعلى أيّ القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما.
قلنا (٢) القافية إنّما هي آخر البيت ، فالبناء على قافيتين لا يتصوّر إلّا إذا كان البيت بحيث يصحّ الوزن ويحصل الشّعر عند الوقوف على كلّ منهما ، وإلّا لم تكن الأولى قافية [كقوله (٣) : يا خاطب الدّنيا] من خطب المرأة [الدّنيّة] أي الخسيسة [أنّها* شرك الرّدى] أي حبالة الهلاك [وقرارة الأكدار] أي مقرّ الكدورات ، فإن وقفت
________________________________________________________
(١) ولما علم من قول الماتن «وهو بناء البيت ...» أنّ هذا القسم من الحسن اللّفظي مختصّ بالشّعر ، والشّعر لا يستقيم ، بل لا يصحّ إلّا بالوزن ، وهو لم يذكره في التّعريف.
اعترض عليه بما أشار ـ إليه الشّارح بقوله : «وكان عليه أن يقول : يصحّ الوزن والمعنى عند الوقوف على كلّ منهما» لأنّه يجب في التّشريع أن يكون مستقيما على أيّ القافيتين وقفت ، لأنّهم فسروا التّشريع بأن يبني الشّاعر أبيات القصيدة حال كونها ذات قافيتين على بحرين من البحور الّتي ذكرت في علم العروض بطريق التّفصيل ، «أو على ضربين» أي قسمين من بحر واحد.
والحاصل أن يبني الشّاعر جميع أبيات القصيدة أو بعضها على قافيتين فعلى أيّ القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما من حيث الوزن وتامّا من حيث المعنى.
(٢) إشارة إلى الجواب ، وحاصل الجواب أنّ لفظ القافيتين مشعر باشتراط الوزن مع صحّة المعنى ، لأنّ القافية لا تكون إلّا في البيت فيستلزم تحقّق القافية تحقّق استقامة الوزن ، لأنّ القافية لا تسمّى قافية إلّا مع استقامة الوزن ، وعليه لا يرد أنّه بقي على المصنّف ذكر الوزن ، لأنّه مفهوم من ذكر القافية ، فلا حاجة إلى التّصريح به.
(٣) أي الحريري «يا خاطب» من خطب المرأة ، أي مأخوذ من خطب فلان المرأة ، أي أراد أن يتزوّجها ، «الدّنيّة» صفة الدّنيا ، «أنّها» أي الدّنيا «شرك الرّدى» أي شبكة الموت.
فلهذا البيت قافيتان إحداهما كالرّدى والثّانية دار. وعلى أيّهما وقفت يصحّ معنى البيت ، وبناء البيت على قافيتين أقلّ ما يجب في التّرشيح ، ولا يقتصر عليه كما يشعر به التّسمّية بذي القافيتين.