جمع خرص بالضّمّ والكسر ، وهو السّنان ، يعني ـ أن السّنتهم عند النّطق في المضاء والنّفاذ تشابه أسنّتهم عند الطّعن ، فكأنّ ألسنتهم جعلت أسنّة رماحههم ، فبيت البحتري أبلغ لما في لفظي ـ تألّق والمصقول ـ من الاستعارة التّخييليّة ، فإنّ التّألق والصّقالة للكلام بمنزلة الأظفار للمنيّة ، ولزم من ذلك تشبيه كلامه بالسّيف ، وهو استعارة بالكناية. [وثالثها] أي ثالث الأقسام ، وهو أن يكون الثّاني مثل الأوّل (١).
[كقول الإعرابي] أبي زياد :
[ولم يك (٢) أكثر الفتيان (٣) مالا |
|
ولكن أرحبهم ذراعا (٤)] |
أي أسخاهم ، ويقال فلان رحب الباع والذّراع ورحيبهما ، أي سخيّ. [وقول أشجع : وليس] أي الممدوح يعني جعفر بن يحيى [بأوسعهم] الضّمير للملوك [في الغنى* ولكن معروفه] أي إحسانه [أوسع] فالبيتان متماثلان ، هذا ولكن لا يعجبني ـ معروفه أوسع (٥) ـ
________________________________________________________
(١) أي في البلاغة والحسن.
(٢) بحذف نون يكون في الجزم لكثرة استعماله.
(٣) وبالكسر جمع فتى ، بمعنى السّخي ، الذّراع بالكسر طرف المرفق إلى طرف الاصبع الوسطى والسّاعد.
(٤) وحاصل المعنى أنّ الممدوح لم يكن أكثر الأقران مالا أو إبلا ، ولكن كان أرحبهم ذراعا ، وفي الأساس فلان رحب الباع والذّراع ، ورحيبهما ، أي سخي ، والكلام الثّاني قول أشجع ، يمدح جعفر بن يحيى :
وليس بأوسعهم في الغنى |
|
ولكن معروفه أوسع |
أي إحسانه أوسع من معروفهم وإحسانهم. والشّاهد : في أن القولين متماثلان في الحسن والبلاغة لا فضل لأحدهما على الآخر ، وذلك لاتّفاقهما على إفادة أنّ الممدوح لم يزد على الأقران بالمال ، ولكنّه فاقهم في الكرم والإحسان.
(٥) لأنّه يدلّ على كثرة الكرم بطريق الحقيقة ، أمّا قول البحتري ـ أرحبهم ذراعا ـ فيدلّ عليه بطريق المجاز ، وهو أبلغ من الحقيقة.