فإن قيل (١) قد ذكر في مقدّمة هذا الفنّ أنّ مبني المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللّازم ، وبعض أنواع العلاقة بل أكثرها لا يفيد اللزّوم فكيف ذلك؟ ـ
قلنا : ليس معنى اللزّوم (٢) ههنا امتناع الانفكاك في الذّهن أو الخارج ، بل تلاصق (٣) واتّصال ينتقل بسببه من أحدهما إلى الآخر في الجملة ، وفي بعض الأحيان (٤) ، وهذا متحقّق في كلّ أمرين بينهما علاقة وارتباط (٥).
________________________________________________________
(١) وحاصل ما قيل :
إنّ اعتبار العلاقة في الاستعمال المجازي إنّما هو لينتقل الذّهن من المعنى الحقّيقي إلى المعنى المجازي ، والانتقال فرع اللزّوم ، وأكثر هذه العلاقات لا يفيد اللزّوم بالمعنى الّذي مرّ في المقدّمة ، وهو أن يكون المعنى الحقيقي الموضوع له اللّفظ ، بحيث يلزم من حصوله في الذّهن حصول المعنى المجازي ، إمّا على الفور أو بعد التّأمّل في القرائن ، فحينئذ لا وجه لجعلها علاقات ، لما عرفت من أنّ أكثرها لا يفيد اللزّوم ، فإنّ معنى اليتامى مثلا لا يستلزم معناه المجازي الّذي هو البالغون ، وكذا العنب لا يستلزم الخمر ، وكذا النّادي لا يستلزم أهله لصحّة خلوّه عنهم ، وكذا الرّحمة لا تستلزم الجنّة لصحّة وقوعها في غيرها ، وكذا اللسّان لا يستلزم الذّكر لصحّة السّكوت.
(٢) وحاصل الجواب :
أنّه ليس المراد باللزّوم هنا اللزّوم الحقيقي ، أعني امتناع الانفكاك في الذّهن أو الخارج ، بل المراد به الاتّصال بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ولو في الجملة ، أي في بعض الأحيان فينتقل بسببه من أحدهما إلى الآخر ، وهذا متحقّق في جميع أنواع العلاقة.
(٣) أي تعلّق وقوله :
«في الجملة» متعلّق بقوله : «ينتقل».
(٤) أي قوله :
«في بعض الأحيان» تفسير للانتقال في الجملة.
(٥) أي فثبت أنّ أنواع العلاقة كلّها تفيد اللزّوم ، وبطل ما قاله السّائل.