لا باعتبار الرجوع لكان التحديد بالثمانية ساقطاً (ظ) من أصله ، فلا يصحّ التعليل بها لا تحقيقاً ولا تقريباً ، فإنّ التقريب لا يكون إلاّ بأمر ثابت.
وأمّا الثاني فالوجه فيه إطلاق المجيء والرجوع المتناول للقسمين مع شيوع الرجوع لغير اليوم فلا يختصّ باليوم ، وأنّ الرجوع الواقع في التعليل لو قيّد بخصوص اليوم لكان المعنى لأنّه لو رجع ليومه كان سفره بريدين ثمانية فراسخ ، ومفاده أنّه لو رجع لغيره لم يكن كذلك ، وهو فاسد فإنّ الثمانية حاصلة على التقديرين ، فيمتنع تخصيصها بالأوّل. وأيضاً فالظاهر من قوله (عليه السلام) «وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتى ذباباً قصّر» أنّ ذلك كان يقع منه ويتكرّر ، ومن المستبعد أن يكون رجوعه منه ليوم الذهاب دائماً بحيث لم يتفق له غير ذلك أصلا ، مضافاً إلى بعد الرجوع لليوم من أصله خصوصاً من مثله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد اتضح بما قرّرناه دلالة الحديث على المطلبين معاً ، بل كاد يكون نصّاً فيهما صريحاً.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ فقال : بريد ذاهباً وبريد جائياً (١). والتقريب فيه من تبادر التلفيق وإطلاق المجيء كما ظهر ممّا سبق.
وإنّما كان ذلك أدنى ما يقصّر فيه الصلاة لأنّ حدّ التقصير بريدان أو بريد ذاهباً وبريد جائياً ، والثاني أقلّ الحدّين ، لأنّ التلفيق لا يخرج البريد عن كونه بريداً ، ولأنّ حدّ القصر وهو ما يتحقّق فيه ذلك ثمانية فراسخ ، والثمانية الملفّقة داخلة في مطلق الثمانية فيكون من جملة الأقلّ ، وإنّما اقتصر عليها لأنّ ثبوت التقصير فيها يستلزم ثبوته في الثمانية الامتدادية بخلاف العكس.
واحتجّ الشيخ (٢) وجماعة (٣) بهذا الحديث على اشتراط الرجوع ليومه وهو غير
__________________
(١) تهذيب الأحكام : في الصلاة في السفر ح ٤٩٦ ج ٣ ص ٢٠٨.
(٢) تهذيب الأحكام : ب ٢٣ في الصلاة في السفر ذيل ح ٤ ج ٣ ص ٢٠٧.
(٣) منهم العلاّمة في مختلف الشيعة : في صلاة المسافر ج ٣ ص ١٠٤ ، والشهيد الأوّل في
الذكرى : في صلاة السفر ج ٤ ص ٣١١ ، والشهيد الثاني في الروض : في صلاة السفر