«المنتقى (١)» وهو بعيد.
والحديث دليل اشتراط الرجوع وعدم اشتراط الرجوع ليومه.
والتقريب في الأوّل من وجهين :
أحدهما : قوله (عليه السلام) «بريد ذاهب وبريد جائي» في جواب السؤال عن التقصير ، والمراد الاستفهام عن مسافة القصر ، فإنّ الظاهر منه تحديد المسافة بمجموع البريدين من باب تحديد المركّب بأجزائه كما يقال : السكنجبين خلّ وعسل والبيت سقف وجدران والكرّ ألف ومائتا رطل والوضوء غسلتان ومسحتان إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة الشائعة في اللغة والعرف والشرع ، وليس المراد أنّ المسافة كلّ من بريدي الذهاب والإياب على أن يكون تحديداً للماهية بأقسامها كما في قولهم : الكلمة اسم وفعل وحرف والطهارة وضوء وغسل وتيمّم إذا قصد بهما الرسم دون التقسيم ، فإنّه مع كونه قليلا محتاجاً إلى التأويل إنّما يحسن في التعريف بالأنواع المعروفة المتميّزة كما في المثالين المذكورين ، وأفراد المسافة باعتبار الذهاب والإياب ليست كذلك فإنّها غير معروفة ولا متميّزة بنفسها وإنّما هي أفراد اعتبارية ، فالترديد يغني عنها لانسحابه في جميع أفراده وليس للتعرّض لها بالخصوص فائدة يعتدّ بها ، فتعيّن أن يراد بالكلام معناه الظاهر المتبادر وهو التلفيق الملزوم لاشتراط الرجوع.
وثانيهما : قوله (عليه السلام) «وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» فإنّ هذا التعليل قاض بأنّ المسافة الموجبة للقصر هي البريدان ثمانية فراسخ وأنّ التقصير في الأربعة إنّما وجب لصيرورتها بالرجوع ثمانية أو في قوتها في إيجاب القصر ، فالعلّة مناط الحكم على ما هو الأصل في العلل وليست بمجرّد التقريب كتعليل القصر بالمشقّة كما قد يتوهّم حتّى يجوز تخلّف الحكم عنها بأن يثبت القصر في الأربعة وإن لم يقصد الرجوع ، لأنّ الأربعة لو كانت مسافة بنفسها
__________________
(١) منتقى الجمان : في صلاة السفر ج ٢ ص ١٧١ ـ ١٧٢.