يحصل من مجموع الأُمور المتعاضدة الّتي لا يبلغ كلّ منها حدّ الحجّيّة ما لا يحصل من الحجج القوية. فهذا الخبر على تقدير عدم كونه حجّة بانفراده يصلح أن يكون مؤيّداً لدليل أو عاضداً لشاهد ، فلا وجه لردّه بما ذكر.
وأمّا كون النخيلة معسكر الكوفة فهو مسلّم وقد قدّمنا ما يدلّ عليه ، وليس فيه ما يقتضي الاتصال بالبلد ولا عدم الفصل بنحو البريد. ودعوى اتصال معسكر البلد به أو قربه منه ممنوعة خصوصاً في البلدان العظيمة والأمصار الكبيرة مثل الكوفة فإنّ الغالب في معسكرها البُعد بالبريد ونحوه.
وأمّا خروج أمير المؤمنين (عليه السلام) إليها ماشياً فالّذي يقتضيه الحال الّتي دعته إلى ذلك من شدّة الغضب هو البُعد لا القرب ، فإنّه (عليه السلام) لم يفعل ذلك إلاّ لأمر عظيم من مكايدة القوم ومشاقّتهم وتخاذلهم عنه وتثبّطهم عن جهاد العدوّ حتّى تحمّل تلك المشقّة وارتكب قطع المسافة إلى النخيلة بنفسه راجلا ماشياً لكي يتنبّهوا من رقدتهم ويرتدعوا عن غيّهم ويتّعظوا بزواجر الفعل ما لم يتّعظوا به من نصائح القول. ولو كانت النخيلة متصلة بالكوفة أو قريبة منها لم يكن فيما فعله (عليه السلام) ما يتوقّعه من التأثير. والبريد في مثل ذلك ليس بكثير ولا كذلك البريدان والفرق بينهما معلوم بالعادات.
وأمّا ما تضمّنته رواية نصر الثانية من أنّه (عليه السلام) خرج من النخيلة حتّى تجاوز حدّ الكوفة ثمّ صلّى ركعتين فالمراد به التجاوز عن سمت الكوفة ومحاذاتها ، فلا ينافي بعد النخيلة عنها بالبريد ولا بأكثر منه ، على أنّ الّذي ندعيه هو بعدها بالبريد للسائر المسامت للبلد دون المقاطر وبالقياس إلى الخارج من المسجد وما يقرب منه لا الخارج من أحد الطرفين المتقابلين فإنّه من جهة البصرة ـ وهي جهة الشرق ـ أكثر من البريد ، ومن جهة الشام ـ وهي الغرب ـ أقلّ ومقتضى ما تقدّم من كون النخيلة هي الكفل أو ما فوقه بقليل بعدها عن الكوفة من الطرف الغربي بنحو من فرسخ ، فإنّ هذا الموضع يقابل الكناسة وهي محلّة من الكوفة فيها صلب زيد ابن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) وموضعه باق إلى الآن ، وبينه وبين هذا المكان فراسخ أو