الوهن مع أنّ احتمال استناد القصر إلى الرجوع لليوم يكشف عن وجود منشأ لذلك معهود عند السلف معلوم في الصدر الأوّل وأنّ المتأخّرين قد أخذوا هذا الشرط عن قدمائهم وتلقّوه يداً بيد. وقد علمت ممّا تقدّم في عنوان هذه الأخبار أنّا نكتفي بالإشعار وهو أدنى مراتب هذا الخبر كما هو ظاهر لمن أمعن النظر.
فإن قيل (١) : هذا خبر ضعيف مرسل مروي من طرق أهل الخلاف فلا يصحّ الاستناد إليه في إثبات حكم شرعي ، ومع ذلك فهو غير متعلّق بالمطلب ، لأنّ النخيلة كما سبق هي معسكر الكوفة فيبعد بُعدها عنه بالبريد ، وفيما مضى من مشيه (عليه السلام) إليها راجلا دلالة على الاتصال أو القرب وأقصى البُعد المحتمل أن يكون على نحو فرسخ من الكوفة ولا يجوز القصر في مثله إجماعاً ، فالروايةمتروكة خارجة عن موضع البحث. وقد روى نصر بن مزاحم (٢) بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي الكنود قال : لمّا أراد عليّ (عليه السلام) الشخوص من النخيلة إلى حرب الشام قام في الناس وخطبهم ـ إلى أن قال : ـ فخرج (عليه السلام) حتّى إذا جاز حدّ الكوفة صلّى ركعتين ... الحديث ، وهو يقتضي دخول النخيلة في حدود الكوفة فكيف يكون بينها وبين الكوفة بريد أربعة فراسخ.
قلنا : أمّا الضعف والإرسال فلا يقدحان في الاستشهاد هنا ولا في الاستدلال ، وكذا ورود الحديث من طرق أهل الخلاف فإنّ مضمونه مطابق لفتوى المشهور مخالف لمذاهب الجمهور فهو منجبر بهما ، وأهل الخلاف لا يتهمون في رواياتهم لما يوافق مذهبنا ويخالف مذهبهم ، وقد روي (٣) عنهم (عليهم السلام) جواز الأخذ والتمسّك بما يرويه المخالفون عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهذا من ذاك ، مع أنّ الفقه من باب الظنون ولاجتماع المؤيّدات والشواهد في ذلك أثر بيّن وتقوية ظاهرة ، وقد
__________________
(١) كما في المصابيح لبحر العلوم : ص ١٠٨ السطر الأخير (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٧٠٠٨).
(٢) وقعة صفين : في خروج عليّ (عليه السلام) من النخيلة ص ١٣١ ـ ١٣٣.
(٣) وسائل الشيعة : ب ٨ من أبواب صفات القاضي ح ٤٧ ج ١٨ ص ٦٤.