ولا ينافي ذلك التعليل بالبريدين في الأوّل إذ ليس نصّاً في اتحاد الحكم بل يحتمل إرادة قرب التلفيق في هذه الصورة في الامتداد وإن بُعد.
ولا ريب أنّ الوجه في العبارة ما تقدّم لتقدّم المنطوق على المفهوم والخصوص على العموم والتخصيص على المجاز ، لأنّ التخيير على خلاف الأصل ، فيقتصر على القدر المعلوم من النصّ مع أنّ التفصيل بالتسوية والترجيح فيما ذكر لم يظهر به قائل من الأصحاب ، ومقتضى كلام القائلين بالتخيير رجحان القصر وإن لم يرجع ليومه ، فإنّهم حملوا أخبار عرفات على استحباب القصر وكراهة الإتمام وهو خلاف التفصيل المذكور.
وممّا ذكرنا تبيّن دلالة العبارة على ما ذهب إليه أكثر القدماء (١) من وجوب القصر على مريد الرجوع لليوم والتخيير لمن لم يرد ذلك ، غير أنّه قد يشكل في قاصد المقام ، فإنّ ظاهر الكلام كما عرفت وجوب الإتمام عليه وإطلاق كلامهم يقتضي التخيير وسياق القول في ذلك آت عند إيراد عبارات الأصحاب في المسألة. وليس في هذه العبارة تصريح بحكم الصوم فإنّ القصر حقيقة في الصلاة والباب معقود لها ، وقال (عليه السلام) بعد هذه العبارة بفاصلة عدّة أحكام : ومتى وجب.
عليك التقصير في الصلاة أو التمام لزمك في الصوم مثله. وفي كتاب الصوم (٢) : وكلّ مَن وجب عليه التقصير في السفر فعليه الإفطار ، وكلّ مَن وجب عليه التمام في الصلاة فعليه الصيام متى ما أتمّ صام ومتى ما أفطر قصّر ، ومقتضى ذلك تبعية الصوم للصلاة إذا تعيّن فيها القصر أو الإتمام لا إذا تخيّر. ويستفاد ممّا ذكره (عليه السلام) في الموضعين إرادة الصلاة وحدها من العبارة المتقدّمة وخروج الصوم عنها فيبقى حكمه في موضع الخيار مسكوتاً عنه ، وحمل الوجوب واللزوم على ما يشمل التخيير بعيد ، ومع ذلك فاللازم منه ظاهراً هو التبعية بالاختيار لا في التخيير
__________________
(١) المقنعة : باب حكم المسافرين في الصيام ص ٣٤٩ ، من لا يحضره الفقيه : في صلاة
المسافر ج ١ ص ٤٣٦ ذيل ح ١٢٦٨ ، النهاية : في صلاة المسافر ص ١٢٢.
(٢) فقه الإمام الرضا (عليه السلام) : في باب الصوم ص ٢٠٢.