وأما ما روي عن جابر وغيره : أن أول ما نزلت (يا أيها المدثر) ، فقال النووي : ضعيف بل باطل ، وإنما نزلت بعد فترة الوحي ، وأما حديث البيهقي أنه الفاتحة كقول بعض المفسرين ، فقال البيهقي : هذا منقطع ، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزلت (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] و (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) [المدثر] ، وقال النووي بعد ذكر هذا القول : بطلانه أظهر من أن يذكر. انتهى. وهو مشهور معروف يأثره السلف عن الخلف.
وذكر الأزرقي والفاكهي : أن النبي صلىاللهعليهوسلم اختبأ فيه من المشركين.
قال ابن ظهيرة : والمعروف أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يختبئ من المشركين إلا في غار ثور ، لكن يتأيد ما ذكر بما قاله القاضي عياض ، والسهيلي في روضه : أن قريشا حين طلبوا النبي صلىاللهعليهوسلم كان على ظهر ثبير ، فقال له : اهبط عني يا رسول الله ، فإني أخاف أن تقتل وأنت على ظهري فيعذبني الله تعالى ، فناداه حراء : إليّ يا رسول الله!
وجمع القاضي تقي الدين فقال : إن صحّ اختفاؤه صلىاللهعليهوسلم [بحراء فهو](١) غير اختفائه بثور والله أعلم ، فيكون اختفاؤه بحراء أولا ، وفي ثور حين الهجرة. انتهى (٢).
وفي تذكرة القرطبي عن أنس بن مالك ـ رضياللهعنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (فلما تجلّى ربه للجبل جعله دكا ، صار بعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بمكة : ثور ، وثبير ، وحراء ، وبالمدينة أحد ، وورقان ،
__________________
(١) ما بين المعكوفتين مزيدة من الجامع اللطيف ، والعبارة مأخوذة منه ، وبغيرها لا تستقيم العبارة.
(٢) الجامع اللطيف ، ص ٢٩٩.