وروى الترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر رضياللهعنهما : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت بها ، فإني أشفع لمن يموت بها (١)). ولا يخفى أن هذه الاستطاعة إنما تحصل غالبا لمن اتخذ المدينة الشريفة مسكنا وموطنا إلى الممات.
وروى مسلم من حديث سعد : (يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه! هلم إلى الرخاء! والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله خيرا منه (٢)).
وروى البخاري من حديث أبي هريرة رضياللهعنه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة ، كما تأرز الحية إلى جحرها (٣)) أي : ينقبض وينضم ويلتجئ ، مع أنها أصل في انتشاره ، فكل مؤمن له من نفسه سائق إليها في جميع الأزمان ؛ لحبه في ساكنها عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. في قوله وأكرم بسكانها ، ولو قيل في بعضهم فقد حظوا بشرف المجاورة بهذا الحبيب الخليل ، وقد ثبت لهم حق الجوار ، وإن عظمت إساءتهم فلا يسلب عنهم اسم الجار ، ولم يخص جارا دون جار ، وكل ما احتج به محتج من رمي الجمار بعض عوامّهم السنة بالابتداع وترك الإتباع ، فإنه إذا ثبت ذلك في شخص منهم ، فلا يترك إكرامه ، ولا ينقص احترامه ، فإنه لا يخرج عن حكم الجار ولو جار ، ولا يزول عنه بشرف
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٣٩١٧) وقال : «حديث حسن غريب من حديث أيوب السختياني» ؛ سنن النسائي الكبرى ، ١ / ٦٠٣. ابن ماجه (٣١١٢). وابن حبان في صحيحه ٩ / ٥٧.
(٢) أخرجه مسلم (١٣٨١) وتكملة الحديث : «... ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث ، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبيث الحديد».
(٣) أخرجه البخاري (١٧٧٧). ومسلم (١٤٧).