لعل المقصود هو الإخبار لا الإنشاء :
وقد يقال : إن المقصود الإخبار عن أن الشرك والكفر لن يدخل مكة ، ولن يسيطر عليها ، بحيث يحتاج إخراجه منها إلى غزوها ، وليس المقصود إنشاء تحريم غزوها حتى مع عودتها للكفر ، فإن ذلك يعني : القبول بسيطرة الكفر عليها ، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.
ولو فرض لزوم الرضى به ، فليس من المصلحة الجهر بمثل هذا الأمر ، ولا سيما بالنسبة لأهل مكة الذين كان معظمهم لا يزال على الشرك والكفر ، أو أنه أعلن الإسلام نفاقا ، بعد أن غلب أهل مكة على أمرهم بدخول رسول الله «صلىاللهعليهوآله» مكة على تلك الحال القوية ، التي لا قدرة لهم على مواجهتها.
ولا بد من أن يكون هذا المعنى هو المراد أيضا بقوله «صلىاللهعليهوآله» ـ فيما رووه عنه ـ : «لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم» يعني : على الكفر.
ويزيد الأمر وضوحا إذا علمنا : أنه لو أريد الأخذ بالإحتمال الآخر ، وهو : أن تكون قريش في منأى عن القتل صبرا ، فإننا نصبح أمام محذورين مهمين :
أحدهما : أن إعلانا من هذا القبيل يدخل في سياق تغذية روح العنصرية ، التي رفضها الإسلام جملة وتفصيلا ، إنسجاما منه مع حكم العقل ، وقضاء الفطرة ، ومع ما قررته الآيات الكريمة التي تقول : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١).
مع ملاحظة : أن القرشية أو غيرها من مثيلاتها من الخصوصيات مثل
__________________
(١) الآية ١٣ من سورة الحجرات.