وإذا كان الله تعالى قد مدح الأتقى حيث قال : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (١) ، فإن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» هو الأولى بهذا المدح ، لأنه المصداق الأتم لما ذكرته الآيات من أوصاف حميدة ..
فما معنى أن يكون للعباس يد عند رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، مما كان أنفقه عليه في وليمة ابن جدعان ، مع ما له عليه في سائر الأزمان؟! ألم يكن العباس مشركا آنئذ وبعد ذلك إلى عشرات السنين؟!
وألا ينافي ذلك نص الآية الكريمة التي نفت ـ على سبيل المدح ـ أن يكون لأحد عند ذلك المؤمن نعمة تجزى ، فبطريق أولى أن لا يكون لأحد عند النبي «صلىاللهعليهوآله» أية نعمة تستحق الجزاء والمكافأة؟!
كيف دخل النبي صلىاللهعليهوآله مكة؟! :
قالوا : لما ذهب أبو سفيان إلى مكة بعد ما عاين جنود الله ـ تعالى ـ تمر عليه ، واصل المسلمون سيرهم ، حتى انتهوا إلى ذي طوى ، فوقفوا ينتظرون رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حتى تلاحق الناس ، وأقبل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في كتيبته الخضراء ، وهو على ناقته القصواء ، معتجرا (٢) بشق برد حبرة (٣) حمراء (٤). وقد أردف أسامة بن زيد وقد طأطأ رأسه تواضعا
__________________
(١) الآية ١٩ من سورة الليل.
(٢) اعتجر فلان بالعمامة : لفها على رأسه وردّ طرفها على وجهه.
(٣) الحبرة : ثوب مخطط من القطن أو الكتان.
(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٦ عن ابن إسحاق وغيره ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٤ والمغازي ج ٢ ص ٨٢٣ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٤.