النبي صلىاللهعليهوآله يصل الماضي بالحاضر :
قد عرفنا فيما سبق : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد نزل في نفس الموقع الذي حصره فيه أهل الكفر هو وسائر بني هاشم ، حينما تظاهروا عليه وعليهم بالإثم والعدوان ، وقد مكثوا فيه حوالي ثلاث سنوات يقاسمون الآلام ، ولا يقدرون على الاتصال بأحد من الناس ، إلا خفية ، وقد منع الناس من إقامة أية صلة بهم ، حتى صلة البيع والشراء لأبسط الأشياء ، فضلا عن منعهم الناس من مجالستهم ، ومن التزوج منهم ، والتزويج إليهم ، وما إلى ذلك.
وها هو «صلىاللهعليهوآله» قد عاد إلى مكة ، ومعه أكثر من عشرة آلاف مقاتل .. وأصبح محاصروه بالأمس هم أسراه ، وطبيعي أن يتوقعوا محاصرتهم من قبله ، جزاء لهم على ما كسبت أيديهم.
نعم ، لقد أصبح من لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منه ، أو يقيم معه أية صلة ولو عابرة ، موضع الحفاوة والتكريم ، والتبجيل والتعظيم ، ويتلهف الناس للاقتراب منه ، والتماس البركة به ، وبكل شيء ينسب إليه ، ويتمنون أن تشملهم منه نظرة أو لفتة ، حتى لو كانت عابرة ..
بل إن أعداءه بالأمس ، الذين تشهد تلك الشعاب التي نزل فيها على شدة ظلمهم له ، وبغيهم عليه ، يتوافدون إليه في نفس المكان الذي اضطهدوه فيه بالأمس ، لتقديم فروض الولاء ، والتفنن فيما يزجونه إليه من مدح وثناء. فيتذكرون ما ارتكبوه في حقه ، وفي حق الشيوخ والأطفال والنساء من صحبه وأهله ، فهل يخجلون من أنفسهم؟! أو هل يندمون؟! وهل يتوبون إلى الله ويستغفرون؟!