أبو بكر يريد طوق أخته :
وأما ما ذكرته الرواية : من أن أبا بكر طلب من الناس أن يرجعوا لأخته طوقها .. وأنه ناشدهم الله ثلاثا ، فلم يجبه أحد ، ثم قال : إن الأمانة في الناس اليوم قليل .. ففيه أكثر من مورد يحتاج إلى بحث.
فأولا : إن أموال المشركين ليست من قبيل الأمانات عند المسلمين ، بحيث يجب عليهم ردّها لأصحابها ، بل هي غنائم إن أخذت من محارب منهم. وإن أخذت من قبل أن يعلموا بمقتضى الأمان الذي أعطاهم النبي «صلىاللهعليهوآله» إياه ، أي قبل دخولهم في البيوت وإغلاق الأبواب ، وقيل : دخول المسجد ، أو دار أبي سفيان ، أو اللجوء إلى راية أبي رويحة.
وأقصى ما يمكن أن يقال : هو أن أمرها في كيفية تقسيمها ، وفي إرجاعها إلى أصحابها ، إن اقتضت المصلحة ذلك ، أو تسويغها لآخذيها .. يرجع إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ولا يحق لأبي بكر ولا لغيره أن يطالب من أخذها بها ..
ثانيا : هل يمكن أن يرضى القائلون بعدالة الصحابة باتهام أبي بكر لأحد أصحاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بالخيانة ، أو بقلة الأمانة؟!
ثالثا : من أين حصل أبو قحافة على الورق (أي الفضة) ، ليصنع منه طوقا لابنته ، وهو رجل فقير لا مال له؟! ومن أين يكون له المال ، وهو إنما كان صيادا ثم صار ينش الذباب عن مائدة ابن جدعان بشبع بطنه ، وستر عورته (١).
__________________
(١) تلخيص الشافي ج ٣ ص ٢٣٨ ، ودلائل الصدق ج ٢ ص ١٣٠ ، والإفصاح ص ١٣٥ وراجع الغدير ج ٨ ص ٥١.