على رحله متخشعا ، أي أنه حين يستشرف الناس أحدا فإنه يشعر بأنه أصبح محط أنظارهم وملتقى أبصارهم ، وأن الخطرات والصور تتزاحم في داخل مخيلتهم عن مزاياه ، وعن مظهره وخفاياه ، وعن حجم قدراته ، وسائر صفاته ، فيرى لنفسه نوعا من الخصوصية ، ودرجة من المحورية.
ولكن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لم يجد نفسه أمام أنظار هؤلاء الناس ، بل وجد نفسه أمام الله وحده ، فهو يرعاه ، ويراه ، ويراقب حاله ومسراه ، فتواضع له وتخشّع ، وطأطأ برأسه ولم يكد يرفع.
راية الزبير :
وبالنسبة لبعض التفاصيل نقول :
هناك حديث عن راية كانت مع الزبير ، وأن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كان قد أمره أن يركزها بالحجون ، ولا يبرح حتى يأتيه ، ونحن لا ننكر أن يكون ذلك قد حصل فعلا .. غير أننا نقول :
أولا : لا شك في أنها ليست هي راية رسول الله «صلىاللهعليهوآله» التي هي للجيش كله ، فإن تلك كانت مع علي أمير المؤمنين «عليهالسلام» كما دلت عليه النصوص الكثيرة التي ذكرناها في أوائل غزوة أحد.
ثانيا : إن ملاحظة النصوص تعطي : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» كان يختار مواقع معينة ليركز فيها إحدى راياته ، ولعل ذلك يهدف إلى إظهار الهيمنة على تلك المنطقة ، وبسط النفوذ على ذلك المحيط ، لكي لا ينتهز الفرصة أوباش الناس ، أو طلاب اللبانات للعبث بأمن الناس ، أو للتعدي على ممتلكاتهم ، ولتكون مثابة لجند الإسلام في تلك المنطقة ، ونقطة تجمع وانطلاق.