كانت حراما أيضا قبل ذلك ، فقد ورد في خطبة الرسول «صلىاللهعليهوآله» المتقدمة في فتح مكة : أن الله قد «حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي» (١). فراجع.
ويؤيد ذلك ، بل يدل عليه : أن إبراهيم «عليهالسلام» قد وصف البيت ب «المحرم» بمجرد إسكانه لذريته في تلك البقعة ، فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ..) (٢).
ومن الواضح : أن إبراهيم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام لم يؤسس البيت ، بل رفع قواعده ، وقد تقدم في الجزء الثاني من هذا الكتاب : أن البيت قد وضع من لدن آدم «عليهالسلام» وهو البيت العتيق ، وهو أول بيت وضع للناس ، كما دلت عليه الآيات الكريمة.
كلكم لآدم ، وآدم من تراب :
وقد ظهر من خلال تلك الخطبة : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» يعالج أدواء كان يراها رأي العين في الناس ، ويعرف ما لها من آثار سلبية على حياتهم ، وعلى علاقاتهم ، وطريقة تعاملهم مع بعضهم ، وعلى روحياتهم .. ومن ذلك ظاهرة الطبقية والتمييز على أسس قبائلية ، وعرقية ، وغير ذلك ..
فذكّرهم بأصلهم الأصيل ، الذي يعطي الدليل الصريح والصحيح على عدم وجود تميز بين الناس فالأصل هو آدم ، وأصل آدم هو التراب.
__________________
(١) راجع نص خطبة النبي «صلىاللهعليهوآله» في مكة في المصادر المختلفة المتقدمة.
(٢) الآية ٣٧ من سورة إبراهيم.