الأول : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد عامل نصارى تغلب بالرفق والعفو ، حين رضي منهم أن يقرهم على دينهم ، مع أن له كل الحق في معاملتهم بالشدة والعنف ، ما دام أنه قد قهرهم بالحجة ، فلجوا في طغيانهم ، وأصروا على باطلهم وأقاموا على الجحود على ما أصبح واضحا أنهم يعلمون بطلانه وبواره.
الثاني : إنه «صلىاللهعليهوآله» آثر أن يرفق بهم ، ليحفظ حق أبنائهم في الإختيار ، وليضمن لهم حرية الفكر والإعتقاد ، ثم حرية الموقف والممارسة .. فطلب منهم : أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية.
الثالث : إن هذا الإشتراط يعطينا : أنه ليس من حق أحد أن يستغل سذاجة أي إنسان ، حتى لو كان ولده ، ليفرض عليه عقيدته ، وما يدين به ، بل عليه أن يفسح له المجال ، ليصل إلى قناعاته الدينية واعتقاداته عن طريق الدليل والبرهان .. ولا يجوز له أن يهيمن على فكره وعقله وقلبه من خلال أجواء يثيرها ، أو إيحاءات يمارسها ، ما دام أن الطرف الآخر غير قادر على التمييز بين الحق والباطل ، أو كان ذلك مما يصرفه عن التفكير في هذا وذاك ..
الرابع : إن هذا المبدأ لا يختص بصورة ما لو كان الطرف الآخر لا يدين بالإسلام ، بل هو مما يفرضه الإسلام حتى على المسلمين أنفسهم ، إمعانا منه في إنصافهم ، وفي إجراء سنة العدل فيهم ، ففرض على كل مسلم أن يحصّل قناعاته عن طريق الحجة والدليل ، ولا سيما فيما يختص بالتوحيد والنبوة ، وبعض المعتقدات الأخرى .. حيث لم يرض منه بتقليد الناس جهابذة العلم ، وأساطين الفكر ، فإنه لا يرضى بأن يقلد أحد أحدا من غير العلماء