رجل من أهل نجران يقال له : شرحبيل بن وداعة ، وكان من همدان. ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة إلا الأيهم ـ وهو السيد ـ والعاقب. فدفع الأسقف كتاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى شرحبيل وقرأه ، فقال الأسقف : يا أبا مريم ما رأيك؟
فقال شرحبيل : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة ، فما تؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل ، ليس لي في النبوة رأي ، ولو كان أمرا من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأي ، وجهدت لك.
فقال له الأسقف : تنح فاجلس ناحية. فتنحى شرحبيل فجلس ناحية.
فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له : عبد الله بن شرحبيل ، وهو من ذي أصبح من حمير ، فأقرأه الكتاب وسأله ما الرأي؟
فقال نحوا من قول شرحبيل بن وداعة.
فقال له الأسقف : تنح فاجلس ، فتنحى فجلس ناحية.
ثم بعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران ، يدعى جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس ، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه ، فقال مثل قول شرحبيل بن وداعة ، وعبد الله بن شرحبيل ، فأمره الأسقف فجلس ناحية.
فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به ، ورفعت النيران السرج في الصوامع ، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا نهارا ، فإن فزعوا بالليل ضربوا بالناقوس ، ورفعوا النيران في الصوامع.
فاجتمع حين ضرب بالناقوس ورفعت السرج أهل الوادي أعلاه وأسفله ، وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع ، وفيه ثلاث وسبعون