وليكن هذا هو وجه الجمع بين الآية ، وبين ما ثبت من أن نصارى نجران ، وغيرهم من المشركين كانوا يدخلون المسجد النبوي ، ويجادلون النبي «صلىاللهعليهوآله» في الدين ، ويسلم بعضهم ، ويصرّ بعضهم على كفره.
ونقول :
إن ذلك كله لا يصح ، وذلك لما يلي :
أولا : إن المحرّم هو دخول الكافر إلى موضع الصلاة من المسجد ، أما دخوله إلى غيرها من قاعات وباحات وساحات لم تعد للصلاة ، فلم يكن ذلك محرما ، فلعل المراد بدخولهم إلى المسجد هو الدخول إلى بعض باحاته وساحاته ، إذ يصح إطلاق اسم الكل على بعض إجزائه ، أو مشتملاته أو على توابعه ..
وقد يشهد لذلك : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد بنى موضعا في مسجده يقال له : الصفة ، لينزل ويبيت فيه من لا منزل ولا مال ولا أهل له. ولعل من يبيت هناك يبتلى بالإحتلام والجنابة ، ولم يكن النبي «صلىاللهعليهوآله» ليسمح لهم بالمبيت في الموضع الذي ينبغي تنزيهه عما هو مكروه من نوم أو غيره.
فذلك يشير إلى أن هذا الموضع لم يكن مخصصا للصلاة ، فكان يصح النوم فيه ..
ثانيا : من الذي قال إن ملاك حرمة دخول الكافر للمسجد هو قذارته الجسدية ، فلعل الملاك هو : أن دخول من لا يؤمن بالله إلى بيت الله هتك لحرمة المساجد التي يعبد الله فيها ، وأما إدخال الدم إلى المسجد في قارورة فليس فيه هتك لحرمته ، وليس فيه تنجيس له فلا يحرم.