تنفع مع النبي «صلى الله عليه وآله» ، حين زعم له أنه قد أسلم.
ثم هيأ رسولا آخر ، يستطيع أن يأتيه بالمعلومات التي يحتاج إليها ، ولكنه على ما يظهر أراد أن يطمئن إلى ولاء قومه ، وطاعتهم له .. فعقد جلسة مع قسيسي الروم وبطارقتها وأخبرهم بالخيارات التي كتب بها إليه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وقد بهرج الكلام بحيث أثار حفيظتهم ، وأيقظ عنجهيتهم الدينية أولا ، حين وضعهم وهم بطارقة وقسيسون أمام خيار قبول الإسلام ، والحال أنهم يرون أن كل ما لديهم هو نتيجة الإلتزام بالنصرانية ، والتسويق لها ، فالتخلي عنها معناه الخسارة لكل شيء.
فلم يبق أمامهم إلا خيار قبول الجزية أو والسيف ، وقد عرض عليهم إعطاء الجزية بصورة تحريضية على الرفض ، من خلال ما يثيره فيهم من شعور بالمظلومية .. حيث قال لهم : «أو أن أعطيه مالنا ، والأرض أرضنا».
ثم إنه قد صعّد من لهجته التحريضية ، التي تسوقهم إلى المقاومة بشراسة وبقسوة حين قال لهم مرة أخرى : «ليأخذن أرضنا».
ثم قال لهم ثالثة : «فلنتبعه على دينه ، أو نعطه مالنا على أرضنا» ..
ويذكرنا هذا الأسلوب بما فعله فرعون «لعنه الله» في مواجهة موسى «عليه السلام» ، وذلك حين كان الحوار يجري بينهما لإبطال ادّعاء فرعون للألوهية ، فأظهر الله تعالى المعجزة على يد موسى «عليه وعلى نبينا وآله السلام» ، بانقلاب العصا إلى ثعبان ، وظهور يده البيضاء ، لكن فرعون (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ : إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ..)(١).
__________________
(١) الآيتان ٣٤ و ٣٥ من سورة الشعراء.