وقيل : كان في سورة براءة الثناء على الصديق ، فأحب أن يكون على لسان غيره ، قال في الهدي : لأن السورة نزلت بعد ذهاب أبي بكر إلى الحج (١).
وإن مكرهم لتزول منه الجبال :
إن هذا العرض لما جرى لأبي بكر في تبليغ مضامين سورة براءة في موسم الحج يمثل أنموذجا لمكر الماكرين ، وجحود الجاحدين ، (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ)(٢) .. مع أن أحداث هذه القضية كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار ، ولم يزل العلماء يتداولونها ، ويستدلون بها في قضايا الإمامة ، ولا يجد الآخرون مناصا عن البخوع لمقتضيات مضامينها ، والتسليم بدلالاتها ، ولو وجدوا أي مجال للتأويل أو التحوير .. لما ترددوا في اللجوء إليه ، والتعويل عليه.
ونحن نوضح الحقيقة في هذه القضية هنا ، فنقول :
أساس القضية :
عن الحارث بن مالك : أنه سأل سعد بن أبي وقاص (سعد بن مالك) : هل سمعت لعلي منقبة؟!
قال : قد شهدت له أربعا ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا ، أعمّر فيها مثل عمر نوح : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش ، فسار بها يوما وليلة. ثم قال لعلي : اتبع أبا
__________________
(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٧٥.
(٢) الآية ٤٦ من سورة إبراهيم.