وذلك أن العجم عند العرب كلهم فلاحون ، لأنهم أهل حرث وزرع ، لأن كل من كان يزرع ، فهو عند العرب فلاح ، إن ولي ذلك بنفسه ، أو وليه له غيره» (١).
فهذا الشرط من جهة يتيح للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يتعامل مع الناس مباشرة ، من دون تدخل من قبل هرقل.
ومن جهة أخرى فإن النبي «صلى الله عليه وآله» في مقابل ذلك يعفي هرقل من الجزية ، ومن الحرب ..
وذلك من شأنه : أن يمكن النبي الكريم والعظيم «صلى الله عليه وآله» من مخاطبة الناس ، وعرض دعوته عليهم ، ويكونون هم الذين يقررون الدخول في دينه ، أو إعطاء الجزية. إذ إن خيار الحرب ليس هو الخيار المفضل عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، بل هو خيار يأتي على قاعدة : آخر الدواء الكي ، والأمر الأهم بالنسبة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» هو استعادة حرمة الناس ، وكرامتهم ، وخياراتهم من سالبيها ، حيث إنهم يمنعون الناس حتى من أن يفكروا ، ومن أن يعتقدوا ، ومن أن يخاطبوا هذا الفريق أو ذاك.
فإذا أراد هرقل أن يميز نفسه عنهم ، ويرفض أن يختار لنفسه ما يختارونه لأنفسهم ، فذلك شأنه ، فإذا كف عن ظلمهم المتمثل بمنعهم من ممارسة حريتهم الفكرية والإعتقادية ، فإنه وإن كان الكف عن الظلم واجبا عليه ، ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» أراد أن يزيد في إحسانه له
__________________
(١) الأموال لأبي عبيد ص ٣٢.