معادية آخر الدهر ، فانه ليس أحد من قريش الا وله في هذه العير نش فصاعدا فلا تكتمني فقال : والله ما لي علم بمحمد وأصحابه بالتجار الا انى رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا واستعذبا من الماء وأناخا راحلتيها ورجعا فلا أدري من هما؟ فجاء ابو سفيان الى موضع مناخ ابلهما ففت (١) ابعار الإبل بيده فوجد فيها النوى ، فقال : هذه علائف يثرب ، هؤلاء والله عيون محمد ، فرجع مسرعا وامر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومروا مسرعين. ونزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره ان العير قد أفلتت وان قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأمره بالقتال ووعده النصر ، وكان نازلا بالصفراء (٢) فأحب ان يبلو الأنصار لأنهم انما وعدوه ان ينصروه في الدار ، فأخبرهم ان العير قد جازت وان قريشا أقبلت لتمنع عن عيرها ، وان الله تبارك وتعالى قد أمرنى بمحاربتهم فجزع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله من ذلك وخافوا خوفا شديدا فقال رسول الله أشيروا على ، فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله انها قريش وخيلاها (٣) ما آمنت منذ كفرت ولا ذلت منذ عزت ولم نخرج على هيئة الحرب فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اجلس فجلس ، فقال أشيروا على فقام عمر فقال مثل مقالة ابى بكر ، فقال : اجلس ، ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله انها قريش وخيلاها وقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا ان ما جئت به حق من عند الله ولو أمرتنا ان نخوض جمر الغضا وشوك الهراس (٤) لخضنا معك ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى عليهالسلام (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ولكننا نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا انا
__________________
(١) فت الشيء : دقه وكسره بالأصابع.
(٢) هي قرية بين جبلين.
(٣) الخيلاء : الكبر والاعجاب.
(٤) الجمر : النار المتوقد والغضاة شجر عظيم وخشبة من أصلب الخشب وهو حسن النار ، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ. والشوك : ما يخرج من النبات شبيها بالابر. والهراس : شجر كثير الشوك طويلة.