الرسول صلىاللهعليهوسلم التي أمروا بها هي امتثال ما أمر به ونهى عنه من أحكام الدين. وأما ما ليس داخلا تحت التشريع فطاعة أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم فيه طاعة انتصاح وأدب ، ألا ترى أن بريرة لم تطع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مراجعة زوجها مغيث لما علمت أن أمره إياها ليس بعزم.
والإبطال : جعل الشيء باطلا ، أي لا فائدة منه ، فالإبطال تتصف به الأشياء الموجودة.
ومعنى النهي عن إبطالهم الأعمال : النهي عن أسباب إبطالها ، فهذا مهيع قوله : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ). وتسمح محامله بأن يشمل النهي والتحذير عن كل ما بيّن الدين أنه مبطل للعمل كلّا أو بعضا مثل الردة ومثل الرياء في العمل الصالح فإنه يبطل ثوابه. وهو عن ابن عباس قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤]. وكان بعض السلف يخشى أن يكون ارتكاب الفواحش مبطلا لثواب الأعمال الصالحة ويحمل هذه الآية على ذلك ، وقد قالت عائشة لما بلغها أن زيد بن أرقم عقد عقدا تراه عائشة حراما : أخبروا زيدا أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن لم يترك فعله هذا ولعلها أرادت بذلك التحذير وإلا فما وجه تخصيص الإحباط بجهاده وإنما علمت أنه كان أنفس عمل عنده.
وعن الحسن البصري والزهري : لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي الكبائر. ذكر ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» : «أن زيد بن أرقم قال غزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسع عشرة غزوة وغزوت منها معه سبع عشرة غزوة. وهذه كلها من مختلف الأفهام في المعنيّ بإبطال الأعمال وما يبطلها وأحسن أقوال السلف في ذلك ما روي عن ابن عمر قال : «كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولا حتى نزل (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) ، فقلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا : الكبائر الموجبات والفواحش حتى نزل (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] فكففنا عن القول في ذلك وكنا نخاف على من أصاب الكبائر ونرجو لمن لم يصبها» ا ه. فأبان أن ذلك محامل محتملة لا جزم فيها.
وعن مقاتل (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بالمنّ وقال : هذا خطاب لقوم من بني أسد أسلموا وقالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلنا ، يمنون عليه بذلك فنزلت فيهم هذه الآية ونزل فيهم أيضا قوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) [الحجرات : ١٧].
وهذه محامل ناشئة عن الرأي والتوقع ، والذي جاء به القرآن وبينته السنة الصحيحة