أوصاف ثلاثة هي : شاهد ، ومبشر ، ونذير. وقدم منها وصف الشاهد لأنه يتفرع عنه الوصفان بعده.
فالشاهد : المخبر بتصديق أحد أو تكذيبه فيما ادعاه أو ادعي به عليه وتقدم في قوله: (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) في سورة النساء [٤١] وقوله : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) في سورة البقرة [١٤٣].
فالمعنى : أرسلناك في حال أنك تشهد على الأمة بالتبليغ بحيث لا يعذر المخالفون عن شريعتك فيما خالفوا فيه ، وتشهد على الأمم وهذه الشهادة حاصلة في الدنيا وفي يوم القيامة ، فانتصب (شاهِداً) على أنه حال ، وهو حال مقارنة ويترتّب على التبليغ الذي سيشهد به أنه مبشر للمطيعين ونذير للعاصين على مراتب العصيان. والكلام استئناف ابتدائي وتأكيده بحرف التأكيد للاهتمام.
وقوله : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). قرأ الجمهور الأفعال الأربعة (لِتُؤْمِنُوا وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) بالمثناة الفوقية في الأفعال الأربعة فيجوز أن تكون اللام في (لِتُؤْمِنُوا) لام كي مفيدة للتعليل ومتعلقة بفعل (أَرْسَلْناكَ).
والخطاب يجوز أن يكون للنبي صلىاللهعليهوسلم مع أمة الدعوة ، أي لتؤمن أنت والذين أرسلت إليهم شاهدا ومبشرا ونذيرا ، والمقصود الإيمان بالله. وأقحم (وَرَسُولِهِ) لأن الخطاب شامل للأمّة وهم مأمورون بالإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولأن الرسول صلىاللهعليهوسلم مأمور بأن يؤمن بأنه رسول الله ولذلك كان يقول في تشهده : «وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» وقال يوم حنين : «أشهد أني عبد الله ورسوله». وصحّ أنه كان يتابع قول المؤذن «أشهد أن محمدا رسول الله». ويجوز أن يكون الخطاب للناس خاصة ولا إشكال في عطف (وَرَسُولِهِ). ويجوز أن يكون الكلام قد انتهى عند قوله (وَنَذِيراً) وتكون جملة (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ) إلخ جملة معترضة ، ويكون اللام في قوله (لِتُؤْمِنُوا) لام الأمر وتكون الجملة استئنافا للأمر كما في قوله تعالى : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) في سورة الحديد [٧].
وقرأه ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة فيها ، والضمائر عائدة إلى معلوم من السياق لأن الشهادة والتبشير والنذارة متعينة للتعلق بمقدّر ، أي شاهدا على الناس ومبشرا ونذيرا لهم ليؤمنوا بالله إلخ.