أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم ما فيه ردّ أمرهم إلى الله ليعلمهم أن استغفاره الله لهم لا يكره الله على المغفرة بل الله يفعل ما يشاء إذا أراده فإن كان أراد بهم نفعا نفعهم وإن كان أراد بهم ضرا ضرهم فما كان من النصح لأنفسهم أن يتورطوا فيما لا يرضي الله ثم يستغفرونه. فلعله لا يغفر لهم ، فالغرض من هذا تخويفهم من عقاب ذنبهم إذ تخلفوا عن نفير النبي صلىاللهعليهوسلم وكذبوا في الاعتذار ليكثروا من التوبة وتدارك الممكن كما دل عليه قوله تعالى بعده (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ) [الفتح : ١٦] الآية.
فمعنى (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) هنا الإرادة التي جرت على وفق علمه تعالى من إعطائه النفع إياهم أو إصابته بضرّ وفي هذا الكلام توجيه بأن تخلّفهم سبب في حرمانهم من فضيلة شهود بيعة الرضوان وفي حرمانهم من شهود غزوة خيبر بنهيه عن حضورهم فيها.
ومعنى الملك هنا : القدرة والاستطاعة ، أي لا يقدر أحد أن يغير ما أراده الله وتقدم نظير هذا التركيب في قوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) في سورة العقود [١٧].
والغالب في مثل هذا أن يكون لنفي القدرة على تحويل الشر خيرا كقوله : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [المائدة : ٤١]. فكان الجري على ظاهر الاستعمال مقتضيا الاقتصار على نفي أن يملك أحد لهم شيئا إذا أراد الله ضرهم دون زيادة أو أراد بكم نفعا ، فتوجه هذه الزيادة أنها لقصد التتميم والاستيعاب ، ونظيره (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) في سورة الأحزاب [١٧]. وقد مضى قريب من هذا في قوله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) في سورة الأعراف [١٨٨] فراجعه.
وقرأ الجمهور (ضَرًّا) بفتح الضاد ، وقرأه حمزة والكسائي بضمها وهما بمعنى ، وهو مصدر فيجوز أن يكون هنا مرادا به معنى المصدر ، أي إن أراد أن يضركم أو ينفعكم. ويجوز أن يكون بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، أي إن أراد بكم ما يضركم وما ينفعكم. ومعنى تعلق (أَرادَ) به أنه بمعنى أراد إيصال ما يضركم أو ما ينفعكم.
وهذا الجواب لا عدة فيه من الله بأن يغفر لهم إذ المقصود تركهم في حالة وجل