والفاء في قوله : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) ليست للتعقيب لأن علم الله بما في قلوبهم ليس عقب رضاه عنهم ولا عقب وقوع بيعتهم فتعين أن تكون فاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر بعدها. والتقدير : فلما بايعوك علم ما في قلوبهم من الكآبة ، ويجوز أن تكون الفاء لتفريع الأخبار بأن الله علم ما في قلوبهم بعد الإخبار برضى الله عنهم لما في الإخبار بعلمه ما في قلوبهم من إظهار عنايته بهم. ويجوز أن يكون المقصود من التفريع قوله : (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) ويكون قوله : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) توطئة له على وجه الاعتراض.
والمعنى : لقد رضي الله عن المؤمنين من أجل مبايعتهم على نصرك فلما بايعوا وتحفزوا لقتال المشركين ووقع الصلح حصلت لهم كآبة في نفوسهم فأعلمهم الله أنه اطلع على ما في قلوبهم من تلك الكآبة ، وهذا من علمه الأشياء بعد وقوعها وهو من تعلق علم الله بالحوادث بعد حدوثها ، أي علمه بأنها وقعت وهو تعلق حادث مثل التعلقات التنجيزية. والمقصود بإخبارهم بأن الله علم ما حصل في قلوبهم الكآبة عن أنه قدر ذلك لهم وشكرهم على حبهم نصر النبي صلىاللهعليهوسلم بالفعل ولذلك رتب عليه قوله : (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).
والسكينة هنا هي : الطمأنينة والثقة بتحقيق ما وعدهم الله من الفتح والارتياض على ترقبه دون حسرة فترتب على علمه ما في قلوبهم إنزاله السكينة عليهم ، أي على قلوبهم فعبر بضميرهم عوضا عن ضمير (قُلُوبِهِمْ) لأن قلوبهم هي نفوسهم.
وعطف (أَثابَهُمْ) على فعل (رَضِيَ اللهُ). ومعنى أثابهم : أعطاهم ثوابا ، أي عوضا ، كما يقال في هبة الثواب ، أي عوضهم عن المبايعة بفتح قريب. والمراد : أنه وعدهم بثواب هو فتح قريب ومغانم كثيرة ، ففعل (أَثابَهُمْ) مستعمل في المستقبل. وهذا الفتح هو فتح خيبر فإنه كان خاصا بأهل الحديبية وكان قريبا من يوم البيعة بنحو شهر ونصف.
والمغانم الكثيرة المذكورة هنا هي : مغانم أرض خيبر والأنعام والمتاع والحوائط فوصفت ب (كَثِيرَةً) لتعدّد أنواعها وهي أول المغانم التي كانت فيها الحوائط.
وفائدة وصف المغانم بجملة (يَأْخُذُونَها) تحقيق حصول فائدة هذا الوعد لجميع أهل البيعة قبل أن يقع بالفعل ففيه زيادة تحقيق لكون الفتح قريبا وبشارة لهم بأنهم لا يهلك منهم أحد قبل رؤية هذا الفتح.