يزال الغلام الخف عن صهواته
ومنه : الخلّ بمعنى الخليل. فالبدع : صفة مشبهة بمعنى البادع ، ومن أسمائه تعالى : «البديع» خالق الأشياء ومخترعها. فالمعنى : ما كنت محدثا شيئا لم يكن بين الرسل.
و (مِنَ) ابتدائية ، أي ما كنت آتيا منهم بديعا غير مماثل لهم فكما سمعتم بالرسل الأولين أخبروا عن رسالة الله إياهم فكذلك أنا فلما ذا يعجبون من دعوتي. وهذه الآية صالحة للرد على نصارى زماننا الذين طعنوا في نبوته بمطاعن لا منشأ لها إلا تضليل وتمويه على عامتهم لأن الطاعنين ليسوا من الغباوة بالذين يخفى عليهم بهتانهم كقولهم إنه تزوج النساء ، أو أنه قاتل الذين كفروا ، أو أنه أحبّ زينب بنت جحش.
وقوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) تتميم لقوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) وهو بمنزلة الاعتراض فإن المشركين كانوا يسألون النبي صلىاللهعليهوسلم عن مغيبات استهزاء فيقول أحدهم إذا ضلّت ناقته : أين ناقتي؟ ويقول أحدهم : من أبي ، أو نحو ذلك فأمر الله الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يعلمهم بأنه لا يدري ما يفعل به ولا بهم ، أي في الدنيا ، وهذا معنى قوله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف : ١٨٨].
ولذلك كان قوله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى) استئنافا بيانيا وإتماما لما في قوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) بأن قصارى ما يدريه هو اتباع ما يعلمه الله به فهو تخصيص لعمومه ، ومثل علمه بأنه رسول من الله وأن المشركين في النار وأن وراء الموت بعثا. ومثل أنه سيهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين ، ومثل قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [الفتح : ١] ، ونحو ذلك مما يرجع إلى ما أطلعه الله عليه ، فدع ما أطال به بعض المفسرين هنا من المراد بقوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ومن كونها منسوخة أو محكمة ومن حكم نسخ الخبر.
ووجه عطف (وَلا بِكُمْ) على (بِي) بإقحام (لا) النافية مع أنهما متعلقان بفعل صلة (ما) الموصولة وليس في الصلة نفي ، فلما ذا لم يقل : ما يفعل بي وبكم لأن الموصول وصلته لما وقعا مفعولا للمنفي في قوله : (وَما أَدْرِي) تناول النفي ما هو في حيّز ذلك الفعل المنفي فصار النفي شاملا للجميع فحسّن إدخال حرف النفي على المعطوف ، كما حسن دخول الباء التي شأنها أن تزاد فيجرّ بها الاسم المنفي المعطوف على اسم (إن) وهو مثبت في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ