هذا من عطف الجملة على الجملة فقوله : (أُخْرى) مبتدأ موصوف بجملة (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) والخبر قوله : (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها).
ومجموع الجملة عطف على جملة (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً) [الفتح : ٢٠] فلفظ (أُخْرى) صفة لموصوف محذوف دل عليه (مَغانِمَ) الذي في الجملة قبلها ، أي هي نوع آخر من المغانم صعبة المنال ، ومعنى المغانم يقتضي غانمين فعلم أنها لهم ، أي غير التي وعدهم الله بها ، أي هذه لم يعدهم الله بها ، ولم نجعل (وَأُخْرى) عطفا على قوله (هذِهِ) [الفتح : ٢٠] عطف المفرد على المفرد إذ ليس المراد غنيمة واحدة بل غنائم كثيرة.
ومعنى (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) : أنها موصوفة بعدم قدرتكم عليها ، فلما كانت جملة (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) صفة ل (أُخْرى) لم يقتض مدلول الجملة أنهم حاولوا الحصول عليها فلم يقدروا ، وإنّما المعنى : أن صفتها عدم قدرتكم عليها فلم تتعلّق أطماعكم بأخذها.
والإحاطة بالهمز : جعل الشيء حائطا أي حافظا ، فأصل همزته للجعل وصار بالاستعمال قاصرا ، ومعناه : احتوى عليه ولم يترك له منصرفا فول على شدة القدرة عليه قال تعالى : (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) [يوسف : ٦٦] أي إلا أن تغلبوا غلبا لا تستطيعون معه الإتيان به.
فالمعنى : أن الله قدر عليها ، أي قدر عليها فجعلها لكم بقرينة قوله قبله (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها). والمعنى : ومغانم أخرى لم تقدروا على نيلها قد قدر الله عليها ، أي فأنا لكم إيّاها.
وإلا لم يكن لإعلامهم بأن الله قدر على ما لم يقدروا عليه جدوى لأنهم لا يجهلون ذلك ، أي أحاط الله بها لأجلكم ، وفي معنى الإحاطة إيماء إلى أنها كالشيء المحاط به من جوانبه فلا يفوتهم مكانه ، جعلت كالمخبوء لهم. ولذلك ذيل بقوله : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) إذ هو أمر مقرر في علمهم.
فعلم أن الآية أشارت إلى ثلاثة أنواع من المغانم : نوع من مغانم موعودة لهم قريبة الحصول وهي مغانم خيبر ، ونوع هو مغانم مرجوة كثيرة غير معين وقت حصولها ، ومنها مغانم يوم حنين وما بعده من الغزوات ، ونوع هو مغانم عظيمة لا يخطر ببالهم نوالها قد أعدها الله للمسلمين ولعلها مغانم بلاد الروم وبلاد الفرس وبلاد البربر. وفي الآية إيماء إلى أن هذا النوع الأخير لا يناله جميع المخاطبين لأنه لم يأت في ذكره بضميرهم ، وهو