يزعمون أنهم أهل حرم الله زواره ومعظّميه ، وقد كان من عادتهم قبول كل زائر للكعبة من جميع أهل الأديان ، فلا عذر لهم في منع المسلمين ولكنهم حملتهم عليه الحمية.
وضمير الغيبة المفتتح به عائد إلى الذين كفروا من قوله : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) [الفتح : ٢٢] الآية. والمقصود بالافتتاح بضميرهم هنا لاسترعاء السمع لما يرد بعده من الخبر كما إذا جره حديث عن بطل في يوم من أيام العرب ثم قال قائل عثرة هو البطن المحامي.
والمقصود من الصلة هو جملة (صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وذكر (الَّذِينَ كَفَرُوا) إدماج للنداء عليهم بوصف الكفر ولهذا الإدماج نكتة أيضا ، وهي أن وصف الذين كفروا بمنزلة الجنس صار الموصول في قوة المعرف بلام الجنس فتفيد جملة (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) قصر جنس الكفر على هذا الضمير لقصد المبالغة لكمالهم في الكفر بصدهم المعتمرين عن المسجد الحرام وصد الهدي عن أن يبلغ محله.
والهدي : ما يهدى إلى الكعبة من الأنعام ، وهو من التسمية باسم المصدر ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع كحكم المصدر قال تعالى : (وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) [المائدة : ٩٧] أي الأنعام المهدية وقلائدها وهو هنا الجمع.
والمعكوف : اسم مفعول عكفه ، إذ ألزمه المكث في مكان ، يقال : عكفه فعكف فيستعمل قاصرا ومتعديا عن ابن سيده وغيره كما يقال : رجعه فرجع وجبره فجبر. وقال أبو علي الفارسي : لا أعرف عكف متعديا ، وتأول صيغة المفعول في قوله تعالى : (مَعْكُوفاً) على أنها لتضمين عكف معنى حبس. وفائدة ذكر هذا الحال التشنيع على الذين كفروا في صدهم المسلمين عن البيت بأنهم صدوا الهدايا أن تبلغ محلها حيث اضطرّ المسلمون أن ينحروا هداياهم في الحديبية فقد عطلوا بفعلهم ذلك شعيرة من شعائر الله ، ففي ذكر الحال تصوير لهيئة الهدايا وهي محبوسة.
ومعنى صدهم الهدي : أنهم صدوا أهل الهدي عن الوصول إلى المنحر من منى. وليس المراد : أنهم صدوا الهدايا مباشرة لأنه لم ينقل أن المسلمين عرضوا على المشركين تخلية من يذهب بهداياهم إلى مكة لتنحر بها.
وقوله : (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) أن يكون بدل اشتمال من (الْهَدْيَ) ويجوز أن يكون معمولا لحرف جر محذوف وهو (عن) ، أي عن أن يبلغ محله.