ذلك في سورة آل عمران وفي سورة براءة. والشدة على الكفار اقتبسوها من شدة النبيصلىاللهعليهوسلم في إقامة الدين قال تعالى (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨].
وأما كونهم رحماء بينهم فذلك من رسوخ أخوة الإيمان بينهم في نفوسهم. وقد وردت أخبار أخوتهم وتراحمهم في مواضع كثيرة من القرآن وكلام الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وفي الجمع لهم بين هاتين الخلتين المتضادتين الشدّة والرحمة إيماء إلى أصالة آرائهم وحكمة عقولهم ، وأنهم يتصرفون في أخلاقهم وأعمالهم تصرف الحكمة والرشد فلا تغلب على نفوسهم محمدة دون أخرى ولا يندفعون إلى العمل بالجبلة وعدم الرؤية. وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) في سورة العقود [٥٤].
وفي تعليق (رُحَماءُ) مع ظرف (بين) المفيد للمكان الداخل وسط ما يضاف هو إليه تنبيه على انبثاث التراحم فيهم جميعاقال النبي صلىاللهعليهوسلم «تجد المسلمين في توادّهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو اشتكى له جميع الجسد بالسهر والحمى».
والخطاب في (تَراهُمْ) لغير معين بل لكل من تتأتى رؤيته إياهم ، أي يراهم الرائي.
وإيثار صيغة المضارع للدلالة على تكرر ذلك ، أي تراهم كلما شئت أن تراهم ركعا سجدا. وهذا ثناء عليهم بشدة إقبالهم على أفضل الأعمال المزكية للنفس ، وهي الصلوات مفروضها ونافلتها وأنهم يتطلبون بذلك رضى الله ورضوانه. وفي سوق هذا في مساق الثناء إيماء إلى أن الله حقق لهم ما يبتغونه.
والسيما : العلامة ، وتقدم عند قوله تعالى : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) في البقرة [٢٧٣] وهذه سيما خاصة هي من أثر السجود.
واختلف في المراد من السيما التي وصفت بأنها (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) على ثلاثة أنحاء الأول : أنها أثر محسوس للسجود ، الثاني أنها من الأثر النفسي للسجود ، الثالث أنها أثر يظهر في وجوههم يوم القيامة. فبالأول فسر مالك بن أنس وعكرمة وأبو العالية قال مالك : السيما هي ما يتعلق بجباههم من الأرض عند السجود مثل ما تعلق بجبهة النبيصلىاللهعليهوسلم من أثر الطين والماء لما وكف المسجد صبيحة إحدى وعشرين من رمضان. وقال السعيد وعكرمة : الأثر كالغدة يكون في جبهة الرجل.
وليس المراد أنهم يتكلفون حدوث ذلك في وجوههم ولكنه يحصل من غير قصد