وقوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ) يجوز أن يكون مبتدأ و (أَشِدَّاءُ) خبرا عنه وما بعده إخبار. والمقصود الثناء على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ومعنى (مَعَهُ) : المصاحبة الكاملة بالطاعة والتأييد كقوله تعالى : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ). والمراد : أصحابه كلهم لا خصوص أهل الحديبية.
وإن كانوا هم المقصود ابتداء فقد عرفوا بصدق ما عاهدوا عليه الله ، ولذلك لما انهزم المسلمون يوم حنين قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للعباس بن عبد المطلب ناد يا أصل السّمرة. ويجوز أن يكون (وَالَّذِينَ مَعَهُ) عطفا على (رَسُولَهُ) من قوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) [التوبة : ٣٣]. والتقدير : وأرسل الذين معه ، أي أصحابه على أن المراد بالإرسال ما يشمل الإذن لهم بواسطة الرسول صلىاللهعليهوسلم كقوله تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) [يس : ١٤] الآية فإن المرسلين إلى أهل أنطاكية كانوا من الحواريين ، أمرهم عيسى بنشر الهدى والتوحيد. فيكون الإرسال البعث له في قوله تعالى : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) وعلى هذا يكون أرسلنا في هذه الآية مستعملا في حقيقته ومجازه.
و (أَشِدَّاءُ) : جمع شديد ، وهو الموصوف بالشدة المعنوية وهي صلابة المعاملة وقساوتها ، قال تعالى في وصف النار (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) [التحريم : ٦].
والشدة على الكفار : هي الشدة في قتالهم وإظهار العداوة لهم ، وهذا وصف مدح لأن المؤمنين الذين مع النبي صلىاللهعليهوسلم كانوا هم فئة الحق ونشر الإسلام فلا يليق بهم إلا إظهار الغضب لله والحب في الله والبغض في الله من الإيمان ، وأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أقوى المؤمنين إيمانا من أجل إشراق أنوار النبوءة على قلوبهم فلا جرم أن يكونوا أشد على الكفار فإن بين نفوس الفريقين تمام المضادة وما كانت كراهيتهم للصلح مع الكفار يوم الحديبية ورغبتهم في قتل أسراهم الذين ثقفوهم يوم الحديبية وعفا عنهم النبي صلىاللهعليهوسلم إلا من آثار شدتهم على الكفار ولم تكن لاحت لهم المصلحة الراجحة على القتال وعلى القتل التي آثرها النبيصلىاللهعليهوسلم. ولذلك كان أكثرهم محاورة في إباء الصلح يومئذ أشد أشدّائهم على الكفار وهو عمر بن الخطاب وكان أفهمهم للمصلحة التي توخاها النبي صلىاللهعليهوسلم في إبرام الصلح أبا بكر. وقد قال سهل بن حنيف يوم صفين : أيها الناس اتهموا الرأي فلقد رأيتنا يوم أبي جندل ، ولو نستطيع أن نرد على رسول الله فعله لرددناه. والله ورسوله أعلم.
ثم تكون أحكام الشدة على الكفار من وجوب وندب وإباحة وأحكام صحبتهم ومعاملتهم جارية على مختلف الأحوال ولعلماء الإسلام فيها مقال ، وقد تقدم كثير من