وفي «صحيح البخاري» : قال ابن الزبير فما كان عمر يسمع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه. ولم يذكر أي ابن الزبير ذلك عن أبيه يعني أبا بكر ولكن أخرج الحاكم وعبد بن حميد عن أبي هريرة : أن أبا بكر قال بعد نزول هذه الآية (والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلّا كأخي السّرار حتى ألقى الله).
وفي «صحيح البخاري» قال ابن أبي مليكة «كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي صلىاللهعليهوسلم».
وهذا النهي مخصوص بغير المواضع التي يؤمر بالجهر فيها كالأذان وتكبير يوم العيد ، وبغير ما أذن فيه النبي صلىاللهعليهوسلم إذنا خاصا كقوله للعباس حين انهزم المسلمون يوم حنين «ناد يا أصحاب السّمرة» وكان العباس جهير الصوت.
وقوله : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) نهي عن جهر آخر وهو الجهر بالصوت عند خطابهم الرسول صلىاللهعليهوسلم لوجوب التغاير بين مقتضى قوله : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ) النبي ومقتضى (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ). واللام في (لَهُ) لتعدية (تَجْهَرُوا) لأن (تَجْهَرُوا) في معنى : تقولوا ، فدلت اللام على أن هذا الجهر يتعلق بمخاطبته ، وزاده وضوحا التشبيه في قوله : (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ).
وفي هذا النهي ما يشمل صنيع الذين نادوا النبي صلىاللهعليهوسلم من وراء الحجرات فيكون تخلصا من المقدمة إلى الغرض المقصود ، ويظهر حسن موقع قوله بعده (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [الحجرات : ٤].
و (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) في محل نصب على نزع الخافض وهو لام التعليل وهذا تعليل للمنهي عنه لا للنهي ، أي أن الجهر له بالقول يفضي بكم إن لم تكفوا عنه أن تحبط أعمالكم ، فحبط الأعمال بذلك ما يحذر منه فجعله مدخولا للام التعليل مصروف عن ظاهر. فالتقدير : خشية أن تحبط أعمالكم ، كذا يقدّر نحاة البصرة في هذا وأمثاله. والكوفيون يجعلونه بتقدير (لا) النافية فيكون التقدير : أن لا تحبط أعمالكم فيكون تعليلا للنهي على حسب الظاهر.
والحبط : تمثيل لعدم الانتفاع بالأعمال الصالحة بسبب ما يطرأ عليها من الكفر مأخوذ من حبطت الإبل إذا أكلت الخضر فنفخ بطونها وتعتلّ وربما هلكت. وفي الحديث